محللون: سفينة صافر ورقة ابتزاز حوثية جديدة تتحدى المجتمع الدولي
حمّلت وزارة الخارجية الأميركية الجمعة الحوثيين مسؤولية الإخفاق في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإفشال الجهود الدولية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة اليمنية.
وجاء الموقف الأميركي تعليقا على ختام جولة جديدة قام بها المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ إلى المنطقة وشملت السعودية وعُمان والإمارات والأردن، حيث التقى بمسؤولين في الحكومتين اليمنية والسعودية ووفد التفاوض الحوثي في مسقط.
وقالت الخارجية الأميركية في بيانها “يتحمّل الحوثيون مسؤولية كبرى عن الرفض الدؤوب للمشاركة في وقف إطلاق النار واتخاذ خطوات لحل النزاع المستمر منذ ما يقرب من سبع سنوات والذي تسبب في معاناة تفوق الوصف للشعب اليمني”.
وأضاف البيان “يواصل الحوثيون هجوما مدمرا على مأرب يندد به المجتمع الدولي ويفرض عزلة متزايدة على الحوثيين”.
لكنّ مراقبين يمنيين يقولون إن الخطاب الأميركي الذي يحمّل الحوثيين مسؤولية عرقلة الحل السياسي ليس مسنودا بأيّ خطوات عملية للضغط على المتمردين، وهو أمر بات يشجعهم على المزيد من التصعيد لمعرفتهم بأن التهديد لن يتجاوز حدود التصريحات.
ويمكن فهم الموقف الأميركي الضاغط على الجماعة الحوثية في سياق موقف مماثل تبنّاه اجتماع لمجلس الأمن الدولي الخميس وطالب فيه المتمردين بالسماح لمفتشي الأمم المتحدة بأن يتفقّدوا “دون تأخير” الناقلة النفطية صافر الراسية قبالة سواحل اليمن في البحر الأحمر والتي يستخدمها الحوثيون كورقة ابتزاز لانتزاع تنازلات من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
واعترف البيان الصادر عن المجلس، والذي عقد بطلب بريطانيا، لأول مرة وبشكل صريح بمسؤولية الحوثيين دون سواهم عن عرقلة إنقاذ الناقلة المتهالكة التي تحذر تقارير من إمكانية تسببها في كارثة بيئية غير مسبوقة في حال تسرّب منها النفط الخام.
وتضمّن البيان الذي تم التوافق عليه مطالبة الحوثيين من قبل جميع أعضاء المجلس بـ”تسهيل وصول آمن وغير مشروط لخبراء الأمم المتّحدة لكي يجروا تقييماً محايداً وشاملاً، بالإضافة إلى مهمة صيانة أولية دون تأخير”.
واتهم عبدالله السعدي مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة الميليشيات الحوثية بالتعنت ورفض كل دعوات المجتمع الدولي وكل المبادرات لحل هذه الإشكالية، محذرا من كارثة وشيكة قد تنجم عن تسرّب النفط من خزان صافر العائم.
واعتبر عزت مصطفى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات في تصريح لـ”العرب” أن إبقاء الحوثيين لسفينة صافر يمثل قنبلة تهدّد دول المنطقة والعالم ويأتي كورقة “لمنع أيّ عمل عسكري باتجاه الحديدة أو إنزال بحري من قبالة الصليف أو المناطق القريبة منها. ورغم أن اتفاق ستوكهولم أوقف عملية تحرير الحديدة من الحوثيين إلا أن إبقاء هذه القنبلة الضخمة في أيديهم وابتزاز العالم بها يشكلان لهم ضمانة أقوى من اتفاق السويد”.
واستبق الحوثيون بيان مجلس الأمن الدولي الذي طالبهم بسرعة إزالة العوائق أمام مساعي الوصول إلى السفينة صافر وصيانتها، عبر اتهام المجلس بالمسؤولية عن الوضع في اليمن.
وقال القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي على تويتر “مجلس الأمن يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور بعد قراره وضع اليمن تحت البند السابع نتيجة اعتماده على تقارير استخباراتية للدول الضالعة في العدوان”.
وتعليقا على المطالبات الدولية بضرورة السماح بالوصول إلى السفينة قال وليد القديمي وكيل أول محافظة الحديدة إن هناك كارثة إنسانية كبيرة ستحلّ بالمنطقة وخصوصا الدول المطلة على البحر الأحمر وكذلك خط الملاحة الدولي في حال تسرب النفط من خزان النفط العائم قبالة سواحل الحديدة، مشيرا إلى أن آثار هذه الكارثة ستعيق مرور السفن لفترة زمنية إلى جانب آثارها البيئية التي ستستمرّ لوقت طويل مثل تدمير الشعب المرجانية الطبيعية وتدمير الثروة السمكية.
ولفت القديمي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الميليشيات الحوثية ترفض دخول الفريق الفني لتقييم السفينة للاستمرار في ابتزاز الحكومة الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية، كما تسعى لفرض شروط جديدة عبر المبعوث الأممي الخاص لليمن.
وأضاف “وجهنا نداء في الـ16 من سبتمبر 2020 حول الكارثة البيئية جراء انتشار المشتقات من السفينة صافر ووضحنا خطورتها، ولكن لا حياة لمن تنادي، وقد شكلت الحكومة الشرعية فريقا لمتابعة وضع السفينة وكذلك المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية لاهتمامهم بالخطر الذي سيلحق بمياهنا وثروتنا السمكية في البحر الأحمر”.
من جهته قلل الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر من جدية المجتمع الدولي في ممارسة ضغوط حقيقية على الحوثيين تتجاوز لغة المناشدة الناعمة التي دأب عليها مجلس الأمن في بياناته المتعلقة بخزان النفط صافر.
واعتبر الطاهر أن بيان مجلس الأمن الدولي الأخير وقع في ذات الفخ، حيث خلا من اللهجة الشديدة والجادة واللغة التي يفهمها الحوثي وتقوده إلى الرضوخ للمطالب الدولية.
وأضاف “الحوثيون لا يستجيبون إلا للرسائل الحاسمة والتي لا تقبل التأويل، وبغير ذلك لا يمكن للمجتمع الدولي أن ينتزع منهم أيّ نتيجة من شأنها إنقاذ الملاحة الدولية من كارثة محققة وشيكة تلوح في الأفق. وبيان مجلس الأمن الدولي باعتقادي استمرار للوسائل الخاطئة في تعامل المجلس مع جماعة إرهابية مثل الحوثيين”.
وعن أسباب رفض الجماعة الحوثية السماح للفرق الدولية بالوصول إلى السفينة وإصلاحها أرجع الطاهر الأمر إلى سببين، الأول جعل السفينة صافر محطة ابتزاز تمارسه على المجتمع الدولي لتمرير بعض المكاسب الخاصة بها. والسبب الثاني يكمن في أن الحوثيين نهبوا بالفعل ما نسبته 70 في المئة من حمولتها، ولا يريدون أن يكتشف المجتمع الدولي ذلك، لأنه سيفقدهم إحدى أوراقهم التي يبتزّون بها المجتمع الدولي.
ودعا وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني الخميس إلى تحرك دولي عاجل لتلافي وقوع كارثة متوقعة جراء غرق خزان النفط العائم صافر أو انفجاره أو تسرّب النفط منه.
وقال إن “فشل المفاوضات بين الأمم المتحدة وميليشيا الحوثي المدعومة من إيران بشأن الخزان صافر لم يكن مفاجئا في ظل استمرار مماطلة الميليشيا ومراوغتها واستخدامها الملف مادة للمساومة والابتزاز ومحاولة تحقيق مكاسب سياسية دون اكتراث للتحذيرات من كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية وشيكة”.
وكشف الإرياني أن فشل المفاوضات جاء بعد انقلاب الحوثيين “على أربعة اتفاقات سابقة التزمت بموجبها بالسماح لفريق فني أممي بالصعود للناقلة وتقييم وضعها الفني وصيانتها، وفشل كل المساعي الدولية لإقناع الميليشيا بالتعاون للحيلولة دون وقوع الكارثة”.
وطالب الوزير اليمني المجتمع الدولي والدول المشاطئة للبحر الأحمر بالتحرك العاجل “لتلافي وقوع كارثة هي الأكبر من نوعها ستطال بأضرارها ملايين المدنيين في اليمن والمنطقة، وستلقي بتبعاتها الخطرة على حركة الملاحة في أحد أهم الممرات الدولية”.
• عن صحيفة العرب اللندنية