دفن تحت التهديد.. وكالة دولية تكشف الأساليب الإجرامية الحوثية لإخفاء حالات كورونا

كشفت وكالة الأسوشيتد برس في تقرير نشرته الثلاثاء الماضي، عن أساليب إجرامية يستخدمها الحوثيون لإخفاء عدد الحالات المصابة بكورونا في المناطق التي ترزح تحت سيطرتهم.

التقرير أوضح أن المليشيا الحوثية تمارس حملات إرهاب وقمع يومية ضد الأطباء والعاملين في القطاع الصحي وأهالي المصابين بالوباء لمنعهم من نشر أي معلومات عن حجم تفشي الوباء في محافظات صنعاء وإب وذمار والمناطق التي لا تزال تحت سيطرتهم.

وأفاد التقرير أن معاملات لا انسانية يتعرض لها المصابون بالفيروس وذووهم كما كشف عن أساليب الإجرام الحوثية في التخلص من المصابين وخاصة من كانوا منهم من المختطفين، وجثث من يتوفى منهم فإلى التفاصيل:

في الظلام، تُحمل جثث المشتبه في أنهم ضحايا للفيروس التاجي في صمت، الواحدة تلو الأخرى، لدفنها في عدة مقابر في جميع أنحاء مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين، تومض المصابيح بينما يشق المشيعون طريقهم عبر الظلام.

يتم غسل الجثث بالمطهرات، ملفوفة في طبقات من الأغطية البلاستيكية والكتان الأبيض قبل أن يتم وضعها للراحة في حفر عميقة يبلغ عمقها ستة أقدام، لا يوجد أحد في الجوار باستثناء قليل من الأقارب في أقنعة وقفازات وملابس بيضاء، لا يُسمح بالتجمعات الكبيرة، كما لا تسمح المليشيا الحوثية بحمل الهواتف.

دفن تحت التهديد
حفارو القبور والحراس في المقابر حُذروا من قبل المليشيا من التحدث عن أسباب الوفيات، وفقاً لعدد من السكان وأحد حفاري القبور الذين أكدوا أن المليشيا الحوثية أجبرتهم على ذلك بالتهديد والوعيد وأنها فرضت عليهم أن يقولوا إن الموتى “جثث مجهولة الهوية”.

وبحسب العامة لا يُقال لعائلات المختطفين أبداً إن كان هناك من أقاربهم قد توفوا بسبب الفيروس التاجي، الذي يُعتقد أنه الجاني، ولا يتم إصدار نتائج أي اختبارات تم إجراؤها للمرضى مطلقًا، وتأتي هذه الطقوس الجنائزية اليومية في الوقت الذي تغمر فيه وسائل التواصل الاجتماعي تعازي وصور الموتى.

وضع كارثي
وينتشر الفيروس التاجي في جميع أنحاء اليمن، البلد الذي دمرته خمس سنوات من الحرب بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والحكومة المعترف بها دوليا.

وقد سقط بالفعل أكثر من 100ألف شخص ضحايا هذه الحرب وشرد الملايين، وأدت سنوات الحرب التي يشنها المتمردون الحوثيون ضد الشعب والحكومة إلى تعطيل نصف المرافق الصحية وتوقفها عن العمل، أما تلك التي لا تزال تعمل فأكثرها لا يوجد لديها أطباء, إضافة إلى انهيار شبكات المياه والصرف الصحي، بينما العديد من الأسر، وخاصة منهم النازحين، لا تكاد تستطيع تحمل وجبة واحدة في اليوم.

وقد أضاف وباء كورونا (كوفيد19) إلى مزيد من الصعوبات خاصة في المناطق التي تقع تحت وطأة سيطرة الانقلابيين الحوثيين، مما أدى إلى شلل النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من حالة من الفوضى مع قدرة ضئيلة على اختبار المشتبه في إصابتهم بالفيروس.

قمع وترويج لأكاذيب
ويتفاقم الوضع في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين، حيث يقمع المتمردون أي جهة تدلي بمعلومات حول الفيروس، وتقوم بمعاقبة أولئك الذين يتحدثون بصراحة، كما ترفض مليشيا الحوثي فرض تدابير وقائية حقيقية، وتعمل على الترويج لأكاذيب ومزاعم ما يسمى بوزير الصحة لدى المليشيا بأن علمائها يعملون على تطوير علاج لمرض فيروس كورونا (كوفيد 19) لتقديمه للعالم.

رسميا، يقول الحوثيون إنه تم الكشف عن أربع حالات فقط مصابة بالفيروس التاجي في المناطق التي يسيطرون عليها، لكنهم قاموا بالإفصاح عن عدد من الحالات الإيجابية والوفيات على الملأ.

وقال المتحدث باسم ما يسمى بوزارة الصحة الحوثية، رداً على أسئلة وكالة أسوشيتد برس: “نحن لا ننشر الأرقام للمجتمع لأن مثل هذا العمل يسبب خسائر فادحة ومرعبة في الصحة النفسية للناس”.

صورة قاتمة
وتأتي مثل هذه التصريحات بعد شهرين من رسم ما يسمى بوزير الصحة الحوثي طه المتوكل صورة قاتمة لاستعداد مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين للتعامل مع الفيروس، زاعما أنه في مرحلة ما وربما في غضون شهرين سيتعين على الحوثيين التعامل مع مليون شخص بحاجة إلى دخول المستشفيات.. وفى جلسة أمام أعضاء البرلمان التابعين للمليشيا قال المتوكل: “في وقت ما سيتعين على الأطباء الاختيار بين من ينقذون ومن يتركونهم يموتون”. زاعما أن علاج هذا الداء هو “التوجه إلى الجبهات”.

وفيات بالمئات وإصابات بالآلاف
وتعتقد منظمة الصحة العالمية أن المليشيا أعلنت عدداً أقل من العدد الإجمالي للأشخاص المتضررين من تفشي الفيروس التاجي، وهو ما يقول المسؤولون إنه قد يزيد من عرقلة الجهود الرامية إلى الحصول على الإمدادات الطبية اللازمة لاحتواء الفيروس.

وقال ريتشارد برينان، مدير الطوارئ الإقليمي في منظمة الصحة العالمية لوكالة اسوشيتد برس أن وفيات فيروس كورونا تبلغ المئات وأن الحالات بالآلاف بناء على ما سمعه من العديد من مقدمي الخدمات الصحية في اليمن.

ويقول عاملو الصحة المحليون وعمال الإغاثة والسكان ونشطاء المجتمع المحلي الذين تحدثوا جميعاً شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن الوضع في البلاد التي مزقتها الحرب يزداد سوءاً بسرعة.

أرقام مرعبة
وتفيد النقابات المحلية، التي أبقت على استقلالية أرقام الموت من الفيروس التاجي التي تعلنها، أن 46 موظفاً طبياً و28 قاضياً و13 محامياً لقوا حتفهم في فترة ثلاثة أسابيع بين منتصف مايو/أيار وأوائل يونيو/حزيران، وهو ما يزيد كثيراً عن العدد الرسمي الذي أفصح عنه المتمردون الحوثيون.

وقد أدى نقص المعلومات عن العدد الحقيقي للأشخاص المصابين بالفيروس في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون إلى تكهنات جامحة حول طبيعة المرض، ولم يؤد رد فعل المتمردين على التعامل مع الإصابات والوفيات إلا إلى تفاقم الارتباك.

تصفية المصابين
وأشارت بعض المعلومات المنتشرة على نطاق واسع إلى أن المتمردين الحوثيين أوعزوا إلى الأطباء بقتل المرضى المشتبه بهم بفيروس كورونا (كوفيد19) بحقنة قاتلة أسموها بحقنة (الرحمة).

اكتسبت هذه المعلومات -التي أُعطيت مصداقية كبيرة بسبب وثيقة سرية وقع عليها ما يسمى وزير صحة المتمردين الحوثيين- الكثير من الزخم لدرجة أن قادة الحوثيين اتخذوا خطوة غير عادية بإصدار نفي رسمي، واصفين هذه المعلومات بأنها “أكاذيب تهدف إلى نشر الخوف”، كما نشر الحوثيون أنفسهم شائعات تقول أن الفيروس انتشر من قبل الغرباء.

وقال السكان والنشطاء المحليون أن بعض المستشفيات مثل مستشفى جبلة في محافظة إب الواقعة تحت سيطرة المتمردين، إحدى أكثر المناطق تضررا، يطلق عليها اسم “مستشفيات الحقن ” بسبب ارتفاع عدد الوفيات التي تحدث هناك.

وقد تسببت هذه المعلومات والأخبار في حالة من الذعر على نطاق واسع، ويقول السكان إنهم أقل جرئة على إخطار مسؤولي الصحة حول الحالات المشتبه بها من هذا الفيروس لكي لا يتعرضوا للقتل في تلك المستشفيات التابعة للمليشيا.

وقال ناشط محلي في إشارة إلى مستشفى جبلة إن “الناس لا يذهبون إلى المستشفيات خوفا من حقن الرحمة”. مضيفاً: “لا يمكنني قول الحقيقة لكنني أعرف الكثير من الناس الذين ماتوا بطرق غامضة داخل هذه المستشفيات”.

قمع مستمر في إب
وقال نائب في صنعاء لوكالة أسوشيتد برس إن الناس يخشون الإبلاغ عن حالات الفيروس التاجي، خوفاً من انتقام المتمردين الحوثيين وأضاف أن “الحالات المشبوهة تعامل كمجرمي حرب”.

وقال ناشط محلي من محافظة إب إن المتمردين الحوثيين بذلوا جهوداً كبيرة لاحتواء معلومات عن انتشار مرض فيروس “كوفيد-19” في المنطقة التي يسيطرون عليها.

وفى مستشفى جبلة الذى تحول إلى منشأة عزل لمرض فيروس كورونا (كوفيد 19) عين المتمردون مشرفا أمنيا للسيطرة على تدفق المعلومات من وإلى المستشفى, لمنع الكشف عن أي معلومات بخصوص عدد المصابين وحجم تفشي الوباء مما يعني أن مدير المستشفى نفسه عاجز في وجه هذا المشرف الحوثي وجميع العاملين في المستشفى يخشونه.

وفي مكالمة هاتفية مع وكالة أسوشيتد برس، رفض عبد الله المطري، رئيس المستشفى، التعليق, وأحال الأسئلة إلى قيادات المتمردين الحوثيين في ما تسمى وزارة الصحة.

وقال السكان إن عناصر المليشيا الذين يعملون كأفراد أمن في المستشفى يقومون أيضا بتفتيش الزوار بحثا عن الهواتف ومنعهم من حمل الأجهزة داخل عنابر وغرف الحجر الصحي.

ويمتد التعتيم الإعلامي للحوثيين إلى ما هو أبعد من المستشفيات، فقد نشر ناشط محلي صورة لسيارة إسعاف على وسائل التواصل الاجتماعي لعاملين طبيين في ملابس واقية يغسلان السيارة في بركة، وقال أحد الرجال إنهم انتهوا للتو من نقل 8 جثث إلى المقبرة المسماة جرار.

وأضاف الناشط إنه عندما انتشرت الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، قامت المليشيا باستجواب الرجل الذي تحدث واحتجازه عن العمل، ولم تتمكن وكالة أسوشيتد برس من التحقق من روايته بشكل مستقل.

مقابر ممتلئة
في العديد من المقابر في العاصمة اليمنية صنعاء، تجري عمليات الدفن بشكل شبه يومي، وفقاً للسكان المحليين والأطباء.

ارتفعت الوفيات الناجمة عن حالات يشتبه في أنها من الفيروسات التاجية إلى درجة أن وزارة الوقف الديني الحوثي، المسؤولة عن المقابر، علقت في نهاية مايو/أيار لافتة على واحدة من أكبر مقابر صنعاء كتب عليها: “المقبرة ممتلئة”.

ويقول السكان إنه من الصعب العثور على قطعة أرض لدفن موتاهم لا تقل سعرها عن ربع مليون ريال، أو 500 دولار أي خمسة أضعاف راتب موظف حكومي.

وتنتشر عمليات الدفن في جميع أنحاء مقابر صنعاء حتى لا تجذب أي اهتمام إلى الأعداد، على حد قول السكان.

وقال أحد السكان المحليين في مقابلات إن تصوير الدفن سراً على الهواتف الذكية في تحد لأوامر الحوثيين أصبح عملاً بطولياً، مضيفاً أن مقاطع الفيديو الخاصة بالهواة تعطي اليمنيين اللمحة الحقيقية الوحيدة عن التأثير الحقيقي لـ”كوفيد-19″ في المنطقة.

وأحدث تفشي المرض في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون توترا محتدماً بين المتمردين ووكالات الأمم المتحدة، التي تعاني من نقص التمويل لبرامج المساعدات.

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنها تسجل عجزا في التمويل بنحو مليار دولار مما تقول وكالات الإغاثة إنه ضروري لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن مع تدهور نظام الرعاية الصحية الذي تفاقم بسبب تفشي الفيروس.

وقال أحد العاملين في وكالة دولية تعمل في اليمن أن “الوضع كارثي”. وأضاف: “الآن يتفشى الفيروس في الوقت الذي يتم تعليق التمويل، ويسود التوتر بين المانحين والمتمردين الحوثيين، لدينا أموال قليلة، واحتياجات أكثر إنه أمر فظيع”.

زر الذهاب إلى الأعلى