خُمس بني هاشم دين أم لصوصية؟
اطلعت على صورة مما يسمى قانون الزكاة “الفصل السابع والفصل الثامن” الذي أصدره الحوثيون مؤخرا، متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، ومضمونها يحكي مصارف الزكاة في ثلاث مواد مفصلة، وملاحظاتي عليه كالتالي:
1ــ ما يسمى بهذا القانون ليس أكثر من استحواذ ولصوصية لأموال الناس بطريقة مقننة.
2ــ الحوثيون لم يأتوا بجديد أصلا فيه، فمزعوم هذا القانون ــ وهو مزعوم مستفز كثيرا ــ يستند إلى مرجعيات فقهية، أهمها الأحكام للإمام الهادي، والأزهار لأحمد بن يحيى المرتضى، الدليل النظري للأئمة منذ حياة المهدي وإلى اليوم.
3ــ مزعوم هذا القانون له مستند في الفقه السني أيضا، وليس الهادوي الجارودي، وإن كان ثمة خلاف في بعض التفاصيل، كقولهم: “لَا زَكَاةَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ”. وهذا في كتاب المغني لابن قدامة المقدسي، وهو فقيه حنبلي مشهور، ومرجعية كبرى من مرجعيات أهل السنة. 3/55. بل وأكثر من ذلك إذ اعتبرت المرجعيات الفقهية التقليدية أن موالي بني هاشم لهم حكم بني هاشم، وموالي بني هاشم “مَنْ أَعْتَقَهُمْ هَاشِمِيٌّ”، وكما في حديث أبي رافع: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا. فَقَالَ: لَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَسْأَلَهُ. فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ”. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 489/2 المغني.
4ــ مزعوم هذا القانون ــ أو جزء منه على الأقل ــ نادى به ما يسمى بهيئة علماء اليمن التي يرأسها الشيخ الزنداني في 26 سبتمبر 2013م. انطلاقا من كتب الفقه السني نفسه.
5ــ مزعوم هذا القانون لا يعني أن تتوقف عملية النهب والاستحواذ على أموال الناس عند البنود المحددة؛ بل إن في مرجعياتهم الفقهية أنه يجوز لولي الأمر أن يستصفي من أموال الناس ما يراه، من غير الزكوات والصدقات.
6ــ مرجعياتهم الفقهية أيضا تجيز مصادرة أموال “المشبهة/ المجبرة”؛ لأن الهادوية يتبنون آراء المعتزلة في العقائد، “التعطيل” فيما “المشبهة أو المجبرة أو المجسمة” كفار من وجهة نظر الجارودية الهادوية، تحت مسمى الغنيمة، يقول ابن حمزة: “الغنيمةُ ما يُؤخذ من مُتغلب على وجه التنكيل، وحكمُ الغنيمةِ موكول إلى رأي الإمَامِ، إنْ رأى القسمةَ بين الغانمين صَوابًا فعله، وإن رأى المفاضَلة جاز له ذلك، وهَذا رأيُنا في الفيء جمُلة، إنَّ أمرَه إلى الإمام..”. انظر كتاب العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، عبدالله بن حمزة، ص: 457/1.
7ــ كل هاشمي صغير أو كبير، ذكر أو أنثى له الحق في أموال الناس، وأينما كان، وحيثما استقر، باعتباره من ذوي القربى، وبحسب المرجعية الحنبلية ابن قدامة المقدسي، وأيضا الإمام الشافعي “أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ حَيْثُ كَانُوا مِنْ الْأَمْصَارِ، وَيَجِبُ تَعْمِيمُهُمْ بِهِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ”. انظر المغني للمقدسي، 461/6، ليس ذلك فحسب؛ بل لغنيهم الحق فيه، كما هو لفقيرهم، فكلهم على حد سواء لهم الحق في هذا السهم.!!
8ــ العجيب والغريب أن الخمس لا زكاة فيه، بحسب المقدسي، أي يحق لهم الإثراء وليس عليهم واجب الزكاة، كونه “خُمسًا” “لَا زَكَاةَ فِيهِ”. 72/3. وهذه مسألة تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء.
9ــ في كل عملية مالية أينما التفت وجدت بني هاشم، لهم الخمس من الزكوات، والركاز، والضرائب والجمارك، وتخيل يدخل ضمن الركاز: البترول والغاز والمعادن بجميع أنواعها، بل لقد أدخلوا حتى “النيس والكرِّي وبيض الدجاج والحليب واللبن ودودة القز وووو”..!
10ــ بعد هذا العرض السريع والموجز أقول: يجب أن نتوقف أمام هذا العبث الذي يطال الأمة، بناء على قوانين تاريخية عتيقة، نسبوها للدين زورا، وهي تتعارض مع مقاصد الدين، وأن ننتمي لقيم الدولة المدنية المعاصرة التي تكتفي بالضرائب المتعارف عليها عالميا، والمقننة بلوائح وتشريعات مدنية، تدعم اقتصاد الدولة، لا جيوب النافذين أو الكهنة، وبمقابلها يحصل المواطنون على خدمة هذه الدولة.