هل إخوان السودان وراء «دموع حميدتي» أمام جنوده؟
أطلق نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو المشهور بـ«حميدتي»، اتهامات جدية لجهات لم يسمها رسمياً (إخوان السودان)، لكنه «رمز إليها بكثير من لوازمها»، بأنها تخطط وتتآمر على قواته «الدعم السريع» لإخراجها من الخرطوم، وتشتيتها في أصقاع البلاد الشاسعة لتطارد نزاعات «قبلية مفتعلة» مدبرة، كما اتهم هذه الجهات بإثارة فتنة بين قواته والجيش الوطني.
ورجحت «قوات الدعم السريع» كفة الحراك المعارض إبان الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس المعزول عمر البشير، برفضها تنفيذ الأوامر الصادرة إليها بتفريق الاحتجاجات والتصدي للمحتجين السلميين بالقوة المسلحة، وتخلت عن الدور الذي رسمه لها رأس النظام السابق، والمتمثل في حمايته حتى من قبل حلفائه.
وبعيد سقوط نظام حكم الإسلامويين في أبريل (نيسان) 2019، شهدت مناطق في شرق البلاد وغربها وجنوبها، نزاعات أهلية مسلحة بين المجموعات السكانية، واتهمت قوى من النظام المعزول بالضلوع فيها، ووجهت الأوامر لقوات الدعم السريع للتوجه لتلك المناطق وحسم الفوضى فيها.
وفي آخر خطاب «دامع» ألقاه بعد زيارة لجنود جرحى من قواته في عمليات عسكرية شهدتها حاضرة ولاية جنوب كردفان «كادوقلي»، اتهم قائد قوات الدعم السريع «حميدتي»، أيادي خفية تعمل على «دق إسفين» بين قواته والجيش، لدفعهما للاصطدام بعضهما ببعض، ولمح دون أن يسمي مباشرة إلى «جهات» في النظام المعزول، تستهدف الثورة الشعبية من خلال محاولاتها زرع الفتنة بين مكوناتها.
وقال «حميدتي» إنه اتفق مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان والقيادات الأخرى، على اتخاذ قرارات مهمة تتضمن تكوين «مجالس تحقيق ميدانية» تصدر أحكاماً عاجلة، ضد مثيري الفتن والجهات التي تورطت في إثارة التفلتات الأمنية.
ولم يخفِ «حميدتي» ما دأب على ترديده مراراً، بأن قواته مستهدفة، منذ بداية التغيير في البلاد، وأن جهات خفية تعمل على الوقيعة بينها وبين مكونات المجتمع المدنية والعسكرية، وأن إثارة القتال الأهلي وتكليف قواته بملاحقته في أنحاء البلاد المختلفة جزء من المخطط الذي يهدف لتفريغ الخرطوم من «الدعم السريع» ليسهل إجهاض الثورة.
وحملت «دموع حميدتي» التي سالت وهو يخاطب جنوده الجرحى بـ«حرقة» أكثر من رسالة، ودقت أجراس الخطر، وهو ما أشار إليه قيادي بالحرية والتغيير طلب إبقاء اسمه طي الكتمان، بقوله: «وجود قوات الدعم السريع في الخرطوم عامل مهم لمقاومة أي انقلاب عسكري، وهي الرسالة التي يريد أن يوجهها قائد القوات إلى عدة جهات».
وأوضح المصدر أن تنظيم الإخوان المسلمين وحكومته المعزولة، لا يزال له وجود في القوات المسلحة السودانية، وأن العسكريين الموالين لهذا التنظيم هم الذين يقفون وراء كل المحاولات الانقلابية والأحداث الدامية التي شهدتها البلاد بعد سقوط النظام، بما في ذلك أحداث فض الاعتصام.
ويتابع: «منسوبو النظام المعزول يقفون وراء فض الاعتصام أمام القيادة العامة، وسعوا لقطع الطريق أمام وصول الجيش وتحالف الحرية والتغيير إلى اتفاق سياسي».
وأكد المصدر أن «حميدتي» حين تحدث عن أيادٍ خفية تسعى للتخلص من قواته، كان يقصد الإسلاميين في الأجهزة النظامية والأمنية، باعتبارها القوة الرادعة القادرة على إفشال أي مخطط أو انقلاب ضد الحكم الانتقالي، قد يدبره أنصار النظام السابق للعودة للحكم.
ورأى أن خطاب قائد الدعم السريع، وضع رسالة في عدد من صناديق بريدهم، يعرف أنها ستصل إليهم. وتابع: «من بين تلك القوى مجموعات داخل أجهزة الدولة تقود صراعاً خفياً لإجهاض الثورة».
ويعزز أستاذ العلوم السياسية بشير الشريف، ما ذهب إليه حميدتي بأن هنالك جهات تستخدم الصراعات القبلية لإضعاف الحكومة الانتقالية، لإشغال القوات النظامية الجيش وقوات الدعم السريع بمعارك جانبية.
ويضيف الشريف: «الانفلاتات الأمنية وزعزعة الاستقرار الأمني بالبلاد، بطاقة رابحة للنظام المعزول، الذي لا يزال له وجود مؤثر داخل الأجهزة العسكرية والأمنية».
ويرى الشريف أن السيناريو الذي تتبعه يقوم على إشعال الحروب الأهلية في أطراف البلاد، وتأجيج النزاعات القبلية، ويهدف لإظهار الحكومة الانتقالية بمظهر العاجزة والضعيفة أمام التفلتات الأمنية، وغير قادرة على حسمها.
ويقول: «حديث قائد قوات الدعم السريع، يرسل إشارات واضحة أن هذه الانفلاتات تحدث تحت نظر الأجهزة الأمنية، وهي لا تتحرك إلا بعد أن تتفاقم، لتستخدمها في تضخيم دورها، وتقديم القضايا الأمنية والعسكرية على حساب القضايا التنموية في البلاد».
ووفقاً للشريف، فإن أنصار النظام المعزول يعملون على العودة إلى الحكم، بالاستفادة من حالة الهشاشة في البلاد، ويسعون للتخلص لكل من يقف في طريقهم، ويقول: «اتهام قائد قوات الدعم السريع لأيادٍ خفية ومخططات ضد قواته، يشير إلى عناصر داخل الأجهزة النظامية تسعى للتخلص منه».
ويوضح المحلل السياسي والكاتب أبوذر علي الأمين، أن «حميدتي» يشعر بالاستهداف من جهات عديدة، تعمل على إزاحته من المشهد السياسي عن طريق تشتيت قواته لإضعافها، لأنه يقف عقبة كبيرة أمام تحقيق أهدافها، في وجوده القوي في مؤسسات الحكومة الانتقالية.
ويضيف الأمين: «الرجل بدأ يدرك أن الخطر الأكبر عليه يأتي من النظام المعزول، الذي لا يزال له وجود داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، لذلك وجه أصابع الاتهام مباشرة إلى جهات داخل تلك الأجهزة، بأنها تقف وراء استهدافه، والوقيعة بين قواته والجيش».
ويتابع: «لا تزال للنظام المعزول جيوب في أجهزة الدولة النظامية، وهي تشكل خطورة كبيرة على مؤسسات الحكم الانتقالية بشقيها العسكري والمدني، وتسعى للحفاظ على مصالحها إزاء أي تهديد».
ويشير الأمين إلى انتباهة «حميدتي» إلى قصدية الصراعات القبلية والأمنية التي تشهدها بعض مناطق البلاد، ويقول: «هدفها شد الأطراف من خلال نشر أكبر قوات من الدعم السريع خارج الخرطوم، لأن وجودها يجهض أي محاولات لتغيير الأوضاع لصالحها».