فيروس كورونا.. هل هو محرض على الحرب أم دافع إلى السلام؟
في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تضامن حقيقي في مواجهة وباء كورونا المستجد وحالة الطوارئ الصحية، يتمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسياسته الانعزالية وبالتصعيد مع الصين وإثارة النزاعات والتوترات مع المنظمات الدولية.
واستغل ترامب الجائحة التي كان أول ظهورها في الصين ليستعملها كورقة ضغط جديدة ضد قوة إقليمية منافسة للولايات المتحدة وصاحبة ثاني اقتصاد في العالم.
وذكر تقرير “العرب” اللندنية، أن ترامب ألمح إلى المزيد من التدهور في علاقته مع الصين بسبب فايروس كورونا المستجد، قائلا إنه لا يريد التحدث إلى الرئيس شي جين بينغ في الوقت الحالي بل ذهب إلى حد الإشارة إلى أنه قد يقطع العلاقات معها.
وقال ترامب في مقابلة مع شبكة “فوكس بيزنس” الخميس إنه يشعر بخيبة أمل كبيرة من تقاعس الصين عن احتواء المرض وإن الجائحة ألقت بظلالها على الاتفاق التجاري الذي أبرمه معها في يناير، وسبق أن أشاد به واعتبره إنجازا كبيرا.
كما وجه الرئيس الأميركي سهام انتقاداته صوب نظيره الصيني والذي سبق أن قال مرارا إن علاقته به طيبة. وردا على تصريحات ترامب اعتبرت الخارجية الصينية أن استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين يخدم مصالح شعبي الدولتين. وعلى الرغم من التصعيد الأميركي يشير المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو لي جيان إلى حاجة واشنطن إلى التعاون مع الصين من أجل إرساء علاقات مستقرة.
وأمام تواصل التوتر الدولي، يتساءل خبراء ومحللون عن تأثير جائحة كورونا على العلاقات الدولية، وفيما رأى البعض أنها ستكون محرضا على الحرب، يذهب آخرون إلى الاستنتاج أن الوباء يشكل فرصة مناسبة للسلام.
أمن عالمي مهدد
تعد سنة 2020 من أسوأ الأعوام التي واجهتها البشرية على امتداد عقود، في ظل جائحة أودت بحياة أكثر من 280 ألف شخص بعد أن أصابت الملايين من الأشخاص، ومن المتوقع أن تصيب ملايين آخرين قبل أن يشهد العالم نهايتها.
وفي خضم هذا الواقع، يشهد الاقتصاد العالمي حالة أشبه بالسقوط الحر، مع ارتفاع البطالة بشكل كبير، وتراجع التجارة، ولا تلوح نهاية هذه الأزمة في الأفق. كما عاد الجراد إلى أفريقيا للمرة الثانية، واجتاحت الدبابير العملاقة القاتلة التي تهدد النحل الولايات المتحدة، بينما انتصب على هرم السلطة رئيس يدفن رأسه في الرمال ويقدم نصائح قاتلة ويتجاهل نصيحة مستشاريه من العلماء والمختصين، حسب تعبير الكاتب الأميركي ستيفن والت.
وفي ظل التداعيات الوخيمة للوباء، يتوقع ستيفن والت الاحتمالات الأسوأ التي تهدد العالم وهي “الحرب”.
وبالعودة إلى التاريخ، يوضح والت أن “الأزمات مثل الطاعون لا تجعل الحرب مستحيلة”. فقد انتهت الحرب العالمية الأولى عندما انتشرت الإنفلونزا 1918 – 1919، لكن هذا الوباء لم يوقف الحرب الأهلية الروسية، أو الحرب الروسية البولندية، أو العديد من الصراعات الخطيرة الأخرى.
ويقول والت “إذا كنت تعتقد أن الحروب لن تندلع أثناء انتشار كوفيد – 19 والركود العالمي المصاحب له، عليك التفكير مرة أخرى”.
ومما يضاعف من هذا الاحتمال هو تزامن الوباء مع الكساد الاقتصادي، وعليه سيعمل القادة الشعبويون تحديدا على استثمار الأزمة الاقتصادية لاستعادة شعبيتهم المتراجعة وترجمتها إلى مكاسب سياسية، بالترويج لسياستهم الانعزالية والتحريض ضد النظام التعددي.
وحسب والت فإن عددا لا بأس به من القادة يعتقدون بأن إثارة الأزمة وإعلان الحرب يمكن أن يخدمان مصالحهم الوطنية طويلة المدى أو يعززان ثرواتهم السياسية.
ويستند في ذلك إلى إحدى الحجج المألوفة: ما يسمى نظرية صرف الحرب للأنظار (أو كبش الفداء)، حيث أن القادة الذين يشعرون بالقلق على شعبيتهم في الداخل سيحاولون صرف الانتباه عن إخفاقاتهم من خلال إثارة أزمة مع قوة أجنبية وربما استخدام القوة ضدها.
وبالنسبة لهؤلاء القادة، تولّد الحرب الكثير من الطلب الاقتصادي، ويمكنها في بعض الأحيان أن تخرج الاقتصادات المنكوبة من الركود وتعيدها إلى الازدهار. وكانت الحرب العالمية الثانية مثالا لهذه النقطة، حيث ساعدت اقتصاد الولايات المتحدة على الهروب من رمال الكساد الكبير المتحركة.
اعتمادا على هذا المنطق، يشعر بعض الأميركيين بالقلق من أن الرئيس دونالد ترامب سيقرر مهاجمة بلد مثل إيران أو فنزويلا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية وخاصة إذا كان هاجس الخسارة يسيطر عليه. ويمتد هذا القلق إلى بريطانيا أمام مخاوف من انتهاج رئيس الوزراء بوريس جنسون المنبهر بترامب، سياسة مماثلة، وبالتالي وقوع بريطانيا ضحية لشعبوية متهورة ستكون لها تداعيات على سياستها الخارجية وخاصة علاقتها مع الاتحاد الأوروبي.
وفي صحيفة “آي” البريطانية تحذر عائشة هزاريكا بريطانيا من السير على نهج الولايات المتحدة التي تقول الكاتبة إنها تنظر إلى الداخل ولا تعبأ بالتعددية والتعاون الدولي حتى في أزمة غير مسبوقة مثل كوفيد – 19.
وتقول عائشة “على الرغم من حقيقة أن هذا وباء عالمي، حيث يجب على جميع البلدان القوية والمؤثرة أن تتضافر مع بعضها البعض، أصبح التعاون متعدد الأطراف كلمة قذرة في عصر القادة الشعبويين”.
وتضرب الكاتبة مثالا بسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتقول “لدينا رئيس أميركي فخور للغاية بتوتير العلاقات مع المؤسسات العالمية.. كان ظهوره الأول في الأمم المتحدة كزعيم للعالم الحر هو إعلان أن استراتيجيته العالمية هي ‘أميركا أولا’”.
وتستدرك “الآن أميركا هي الأولى في عدد وفيات فايروس كورونا، لقد هاجم ترامب الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والآن منظمة الصحة العالمية التي أصبحت أحدث ساحة معركة لأجندته المستمرة المناهضة للصين”.
وفي ما يتعلق بالمملكة المتحدة، تقول عائشة “لسنا في وضع يسمح لنا بإعطاء محاضرات لأي شخص حول تعزيز العلاقات التي تربطنا بينما نغادر الاتحاد الأوروبي، وهو عمل يرى الكثيرون حول العالم أنه تخريبي سياسيا واقتصاديا”.
وتضيف “إذا كان لدى حكومة المملكة المتحدة أي فهم، فسوف تسير بحذر ولن تتسرع في إبرام صفقة تجارية متسرعة مع ترامب قبل الانتخابات الأميركية. فقد لا يفوز. وقد نجد أنفسنا في نهاية قائمة الانتظار”، في إشارة إلى قائمة اهتمامات الولايات المتحدة حال فوز الديمقراطيين.
وتخلص عائشة إلى أن “العلاقة الرئيسية التي يجب أن تحرص بريطانيا على أن تكون صحيحة، حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، هي مع الاتحاد الأوروبي الذي يستحوذ على نصيب الأسد من تجارتنا في السلع والخدمات».
الأولوية للأزمة الصحية
على الرغم من التوترات الدولية ، تبقى فرص نشوب حرب ضئيلة، وأشبه بمقامرة، وإذا سارت الأمور بشكل سيء فإنها ستدق المسمار الأخير في نعش حظوظ ترامب المتدهورة.
وقد يتساءل أنصاره الأقوياء عن السبب الذي جعله يختار إضاعة الوقت والمال في ملاحقة إيران أو فنزويلا في وقت يموت فيه الآلاف من الأميركيين في وطنهم.
وبالنسبة للأميركيين فإن العمليات العسكرية لن تعيدهم إلى العمل وإن كانت ناجحة، ولن تساهم في تسريع تطوير لقاح والأهم في نظرهم السيطرة على الوباء بدل التفكير في مواجهة الخصوم . ومن المرجح أن يوجه نفس قادة العالم الآخرين ذات المنطق أيضا.
وبدل الالتجاء إلى الحرب قد يساعد الوباء على صناعة السلام وتحفيز التضامن الدولي.
واستنادا إلى دراسة أعدها يلفت باري بوزن الباحث من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فإن الفايروس قد يساهم في تعزيز السلام بدلا من تأجيج الصراعات. ويجادل بأن الوباء الحالي يؤثر سلبا على جميع القوى الكبرى، ويتركها عرضة للخطر، ما يقلل فرص الدخول في صراعات جديدة.
وجعلت الأزمة الصحية جميع الحكومات أكثر تشاؤما بشأن توقعاتها على المدى القصير والمتوسط. وقد يفضي هذا التشاؤم الناجم عن الوباء إلى السلام، حيث بات العالم مطالبا بالوحدة إذا كانت لديه رغبة في الانتصار عليه.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب طبيعة الحرب من الدول تجميع الكثير من الأشخاص في معسكرات التدريب والقواعد العسكرية ومناطق التعبئة والسفن في عرض البحر وما إلى ذلك، وليس هذا أمرا مرغوبا به في الجائحة.
وفي هذه الفترة، تركز الحكومات على إقناع مواطنيها بأنها تفعل كل ما في وسعها لحمايتهم من المرض بالتزامهم الوقاية وشروط الحجر الصحي.
لهذه الأسباب، يستنج الكاتب ستيفن والت أن الوباء نفسه يؤدي إلى السلام، وقد يرغم قادة دول عظمى مثل دونالد ترامب على الالتزام به ولو بصورة مؤقتة.