مصر بصدد إلزام شركات الإنترنت بالدفع مقابل المحتوى
دفعت التأثيرات السلبية لجائحة كورونا على الصحافة الورقية المصرية، بعودة مشروع قانون لفرض الضرائب على شركات الإنترنت العملاقة، مثل فيسبوك وتويتر وغوغل إلى الواجهة، لتستفيد الصحف ووسائل الإعلام بجزء منها، خصوصا بعد خطوات مماثلة اتخذتها عدة دول مثل فرنسا وأستراليا.
ويطرح أعضاء في البرلمان المصري هذا الملف الفترة المقبلة بهدف إقرار قانون في ظل استمرار نزيف الخسائر في المؤسسات الصحافية، خاصة الرسمية التي تشكّل عبئا ماليا كبيرا على الحكومة.
ويندفع المشرعون المصريون بزخم عالمي قادر في حال تضافر الضغط على تلك الشركات لإلزامها بمسؤوليتها تجاه وسائل الإعلام التقليدية، بعدما باتت الشركات العملاقة المصدر الأول للحصول على المعلومات لدى الجماهير، ما حقق مكاسب كبيرة لها، فيما المحتوى ينتجه صحافيون يضطرون للمخاطرة بحياتهم أحيانا في سبيل التقارير، واليوم يواجهون مخاطر البطالة في ظل أزمات متجذرة منذ سنوات إضافة إلى جائحة كورونا.
ولم تعد الحكومة المصرية على استعداد لتحمّل نزيف خسائر الصحف القومية، كذلك رجال الأعمال في الصحف المستقلة التي تنكمش يوماً بعد آخر في ظل فقدان عائد الإعلانات لحساب مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني خسارة المصدر الرئيسي في التمويل.
وبات الهمّ لدى العاملين في وسائل الإعلام والسلطة على السواء، هو البحث عن مصادر تمويل غير تقليدية تضمن استمرار الأولى وترفع الأعباء عن كاهل الثانية.
وقدّمت لجنة الثقافة والإعلام مقترحاً إلى البرلمان يجدد مشروع القانون الماضي، على وقع أزمة التمويل التي تضاعفت بعد الانخفاض الكبير في توزيع الصحف إثر تخوّف القراء من اقتنائها، على اعتبار الورق وسيطا لنقل الفايروس، والعزل الصحي، إضافة إلى توفر المحتوى على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويتناول المقترح الجديد، فكرة مشروع سابق قبل حوالي عام ونصف، يطالب بفرض ضريبة على إعلانات السوق المصري لدى شركات غوغل وفيسبوك وغيرهما من مواقع التواصل، مستنداً على قاعدة المنفعة المشتركة، إذ تجني تلك الشركات مليارات الدولارات أرباحاً دون أن تستفيد الصحف، بل في الواقع تخسر المعلنين.
وأعاق الجدول النيابي المزدحم من قبل عدم خروج المشروع إلى النور، فضلاً عن العقبات التي طرحها البعض من عدم تمثيل غالبية الشركات العالمية في مصر وصعوبة تحصيل ضرائب.
وقال عضو لجنة الإعلام في البرلمان وصاحب المقترح، أسامة شرشر، لـ”العرب”، إن فرص التحقيق الآن باتت أكبر في ظل زخم دولي يدفع في الاتجاه ذاته، وأصبح الوضع مؤهلاً لعقد اتفاقيات عابرة للقارات مع الشركات العالمية لضمان حقوق الصحافيين، وإذا استدعى الأمر وجود قانون سنسرع في تشريعه بالتعاون مع المجلس الأعلى للإعلام.
أبرزت جائحة كورونا خطأ النظريات التي طفت على السطح السنوات الأخيرة بترجيح كفة وسائل التواصل وإعلام المواطن مع توقعات بانقراض الإعلام التقليدي، بعدما تأكد للجميع وفي المقدمة تلك المنصات، ضرورة الاعتماد على قواعد راسخة تقوم على التدقيق وتتضافر مع جهود الدول في التوعية.
واختبرت مواقع التواصل الاجتماعي وشركات الإنترنت العملاقة، أهمية دور وسائل الإعلام المحلية في خدماتها، فملايين عمليات البحث تُجرى يومياً عن الفايروس وتطوره، وتكون نتائجه مضامين قدمها صحافيون لا يستطيعون الحصول على مرتباتهم كاملة من وقع كورونا الذي تسبب في تخفيض الرواتب في جميع وسائل الإعلام المصرية
تقريباً.
ورغم ذلك لا يزال عمالقة الإنترنت يرفضون الرضوخ للضغوط أو إعلان الاعتراف بحقوق الصحافة المحلية، وعندما أعلنت تقديم الدعم للصحافة جاءت كـ”منحة” وليست واجبا مستحقا.
مناقشة مسبقة
يتجاوز الأمر الدفع لوسائل الإعلام إلى تغريمها، حيث تضطر تلك الوسائل إلى الترويج لمواقعها عبر تلك المنصات بإعلانات مدفوعة لضمان الوصول لأكبر عدد من الجماهير، في حين أن مواقع الصحف التي تضطر للدفع بدلاً من التحصيل تؤدي خدمة لتلك المنصات التي ترسخت صورتها كساحات للمعلومات وليست فقط الترفيه أو التواصل مع الأصدقاء. ويأمل صحافيون مصريون أن ينتهي الوضع إلى صيغة تعاون ما مع تلك المنصات العالمية تضمن وسائل تمويل دائمة لصحفهم ودخلا جيدا دون أن يضطروا للعمل في أكثر من وسيلة.
وتعمل نقابة الصحافيين المصرية على تعزيز الدفع في ذلك الاتجاه، وقال عضو مجلس النقابة عمرو بدر، إن فكرة مطالبة تلك المنصات بمقابل مادي ناقشها المجلس السابق، لكنها طويت في الدرج، رغم حماسة الجماعة الصحافية لها.
وأضاف أن الأمر لم يعد رفاهية، فالبحث عن وسائل تمويل بديلة ضروري وهو حبل إنقاذ، لذلك سيعيد بدر شخصيا تقديم المقترح إلى مجلس النقابة قريبا للبدء في مراسلة تلك المنصات.
ويبقى أمام وسائل الإعلام تحديات حتى في حال نجح الضغط في الوصول لتفاهم ما، إذ من غير المتوقع أن تملك كافة الوسائل الحجة ذاتها عند المطالبة باستحقاقات مالية من تلك المنصات، فهناك صحف كبرى تحقق خسائر لا تملك أصلا موقعا إلكترونيا حتى الآن، أو جمدته لأسباب مجهولة، ما يجعل نصيبها من الكعكة مفقودا.
وأكد لنا أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، صفوت العالم، أن البحث عن مصادر للتمويل من شأنه إثراء المحتوى الإعلامي، خصوصاً وأن العاملين في مهنة الصحافة أصبحوا مهددين ببطالة متزايدة، لكن تلك المصادر لن تكون متوفرة للجميع.
ويتعلق التصنيف أو المفاضلة، وفق العالم، بعدد المتابعين للمادة الصحافية التي تقدمها صحيفة ما، مثلاً يمكن تعميم نموذج يوتيوب الذي يمنح مقابلا ماديا للقنوات التي يتخطى عدد متابعيها رقما بعينه، والأمر ذاته يمكن أن يصبح محل بروتوكول بين الإعلام التقليدي وتلك المنصات.
وقد تقتنص صحف خاصة لها جمهور عريض هذه الفرصة حال تم الوصول إلى اتفاق، ما ينعكس على سوق المنافسة بين الصحف وضخ الدماء من جديد في شرايين المهنة المتصلبة.
ولعل وفاء المنصات العالمية بالتزاماتها تجاه الصحف ربما يصبح مبادرة لتحسين أوضاع الصحافة في المنطقة العربية التي عانت من نماذج ربحية متعددة، السطوة فيها بالأساس للتمويل السياسي أكثر منه للتمويل الاقتصادي، ما يفسر استمرار بعض الصحف، رغم خسارة الإعلانات وانخفاض التوزيع.
وبعد أزمة كورونا تراجعت أولوية المعارك الإعلامية والسياسية، بما هدد وضع الصحافة وجعل السعي نحو الحصول على حقوقها معركة حياة يجب أن تُخاض.