نازحو اليمن بين جحيم الحوثيين وبؤس المخيمات والمقابر
لم يخطر ببال الفتى سامي ذي الـ15 عاماً أنه سيجبر يوماً على ترك فصله الدراسي ويبحث عن عمل لتوفير متطلبات أسرته، لكنه اليوم وبعد عام على نزوحهم من الحديدة، يعيش تفاصيل معاناة يومية لأكثر من ثلاثة ملايين أجبرتهم حرب الحوثيين والقمع على الفرار والبحث عن مأوى في مناطق سيطرة الشرعية.
كان والد الفتى واحداً من المنشغلين بالشأن الثقافي في الحديدة، وظل فيها منذ بداية الحرب، قبل أن يُخطف وجرى إخفاؤه عن أسرته عدة أشهر، ليتبين بعد ذلك أنه معتقل في سجن الأمن السياسي للحوثيين، ومن ثم يظهر في تسجيل على قناتهم التلفزيونية ومثل بقية المعتقلين، متهمٌ بأنه عضو في خلية تعمل لصالح «الأعداء»؛ وهم الحكومة اليمنية والتحالف الداعم لها.
قررت الأسرة الفرار إلى عدن كما حال أفواج من النازحين الذين فروا من جحيم الحرب، وقمع الحوثيين، إلا أنها واجهت واقعاً مراً، في وضع اقتصادي مدمر، ووجد الفتى سامي نفسه ملزماً بتحمل نفقات أسرته، خصوصاً أن راتب والده غائب بأمر حوثي، مثله مثل بقية الموظفين الحكوميين الذين لم تدفع الجماعة رواتبهم لما يربو على ثلاثة أعوام.
وأمام الالتزامات اليومية للأسرة ترك الفتى مدرسته وذهب للعمل بالأجر اليومي، حيث يعمل يومين ولا يجد عملاً ثلاثة أيام أخرى، ولكن لا خيار أمامه، فذلك هو وضع الآلاف من النازحين الذين توزعوا بين خيام بائسة وسط أحياء عدن وفي مقابرها.
كان النصف الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018، فاصلاً بين مرحلتين من حياة الأسرة والفتى، إذ تبدلت أحوال الأسرة حين قامت مجموعة مسلحة من العناصر المخابراتية للحوثيين بانتظار الرجل حتى خروجه من منزله في أحد أحياء مديرية الحوك في مدينة الحديدة، حين اقتاده عناصر المخابرات الملثمون إلى جهة غير معلومة، فيما اقتحمت مجموعة أخرى المسكن والعبث بكل محتوياته.
لأشهر ظلت الزوجة المفجوعة بزوجها ومعها أبناؤها يبحثون عن مصيره، وهم يدركون أن الحوثيين أخذوه، لكن الخشية من تصفيته أو اتخاذه درعاً بشرياً كما حصل مع كثير من المختطفين لدى هذه الميليشيا دفعهتم إلى التروي، وبعد أشهر من إخفائه وصلت معلومات إلى ناشطين أنه محتجز في سجن المخابرات، ولاحقاً سمح له بالاتصال بزوجته.
كغيره من الناشطين، لفقت له تهمة وظهر مع آخرين ادعى إعلام الميليشيات أنها خلية تعمل لصالح التحالف، ومن التسجيلات التي بثتها قناة «المسيرة» بعد ذلك يتبين زيف التهمة الموجهة للرجل ومن معه، إذ اعتاد اليمنيون أن تبث الميليشيات اعترافات ينتزعها محققوها بالقوة لتبرير أفعالها، وكثير ممن أظهرتهم وسائل إعلام الحوثيين يدلون بمثل تلك الاعترافات تم إطلاق سراحهم بعد ذلك حتى من دون محاكمة.
معاناة الفارين من جحيم الحرب في مناطقهم وقمع الميليشيات جعلت نحو 3.5 ملايين نازح وفق تقديرات الأمم المتحدة يعيشون في ظروف بائسة ويتوزعون في مناطق سيطرة الحكومة، بمخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة العادية، والبعض اضطر للعيش في أطراف المقابر.
ويشكو هؤلاء من أن المنظمات الإغاثية تضع اشتراطات صعبة من أجل منحهم مساعدات غذائية، ولا تعطي هذه المواد للأسر التي تعيش خارج المخيمات.
ولأن غالبية النازحين من الأسر المعدمة، يظهر عجز كبير لدى الجهة المعنية بهم، فهم يضطرون لاستخدام الأغطية لعمل خيام تقيهم من الشمس والأمطار، واستخدم آخرون «علب الصفيح» وأكياساً من البلاستيك، ولهذا فإن تدفق السيول نتيجة حلول موسم الأمطار في اليمن ضاعف من معاناة الآلاف من النازحين وتحديداً في مأرب وعدن.
وتقول منظمة الهجرة الدولية إن السيول التي ضربت محافظة مأرب الأيام الماضية أثرت على أكثر من 3500 مأوى للنازحين في أكثر من 40 موقعاً يتوزع فيها النازحون من القتال من مختلف محافظات البلاد، وأنها قدمت الدعم لأكثر من 2300 أسرة نازحة ممن تضررت ملاجئها بسبب الأمطار الأخيرة، وأن تصاعد القتال في محافظة الجوف تسبب في نزوح أكثر من 9000 عائلة إلى مدينة مأرب والمناطق المحيطة بها.
وتؤكد ليز غراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن الیمن لا يزال يشهد أسوأ كارثة إنسانیة في العالم، ویحتاج 80 في المائة من السكان تقریباً لنوع من المساعدات الإنسانیة والحمایة. فيما أصبح 10 ملایین شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ویعاني 7 ملایین شخص من سوء التغذیة. ومن إجمالي عدد البرامج الإنسانیة الرئیسیة الـ41 التابعة للأمم المتحدة، سوف یتم تقلیص أو إغلاق 31 برنامجاً خلال شهر أبریل (نيسان) ما لم یتم الحصول على التمویل بصورة عاجلة.
المصدر : الشرق الأوسط