اتهامات لتركيا باستنساخ «التجربة الليبية» في اليمن لتوسيع نفوذها البحري
سعى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مبكراً للاستثمار في تنظيم جماعة «الإخوان» في جميع الأقطار العربية، مستغلاً التغيرات السياسية التي واكبت «ثورات الربيع العربي»، للمشاركة في رسم خريطة المنطقة، على النحو الذي يخدم مصالح بلاده.
ورغم أن «المشروع التركي» احتضن جماعة «الإخوان» في مصر، التي تصنفها الدولة «تنظيماً إرهابياً»، إلاّ أن الأوضاع المفككة أمنياً وعسكرياً في الوقت الراهن في دول مثل اليمن وليبيا، فتحت شهية إردوغان وساعدته في التأسيس لهذا المشروع «التوسعي»، الذي وصفه متابعون لـ«الشرق الأوسط» بأنه «يقوم على الانتهازية السياسية واستغلال نقاط الضعف».
وقبل تسعة أعوام أشرع إردوغان أبواب تركيا للجماعات المتشددة، بالتوازي مع تقوية شوكة تنظيم «الإخوان»، والسماح لمتطرفين ليبيين باستخدام الأرضي التركية في حربهم الهادفة للهيمنة على بلادهم؛ ونتيجة لذلك تمكن الرئيس التركي من التغلغل في البلد الغني بالنفط، عبر بوابة حكومة «الوفاق»، ليصبح بجنوده وعتاده رقماً في العملية العسكرية، التي دخلت عامها الثاني على أطراف العاصمة طرابلس.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي، لـ«الشرق الأوسط» إنه «منذ اعتلاء إردوغان كرسي السلطة باتت تراوده أحلام أكبر من حكم تركيا، حيث بدأ العمل على استثمار تنظيم «الإخوان» وأحزابه في كل المنطقة من أجل هذا الطموح».
وأمام هذه التحركات التوسعية من جانب الرئيس التركي، رأى الأكاديمي المصري الدكتور حمدي عبد الرحمن أن «تورط أنقرة في ليبيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستراتيجيتها البحرية في شرق البحر المتوسط، وهو ما يترتب عليه زعزعة العلاقات الإقليمية في المنطقة المتوسطية».
وذهب عبد الرحمن في دراسته، التي نشرها «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، إلى أن تركيا «تنظر إلى ليبيا باعتبارها مسرح عمليات لاختبار وتسويق منتجات صناعاتها العسكرية والأمنية، وإظهار وجودها العسكري في أفريقيا، باعتباره أداة للسياسة الخارجية التركية».
وسبق لتركيا توقيع مذكرة بحرية مع فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» المدعومة أممياً، والتي تحدد قطاعاً غنياً بالغاز في شرق البحر المتوسط كإقليم تركي ذي سيادة، مما أثار حفيظة دول أخرى في المنطقة، ومنها مصر.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد صرح في 28 من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بأن بلاده وقعت مذكرة تفاهم بشأن الحدود البحرية مع حكومة الوفاق «لحماية حقوق تركيا في البحر المتوسط»، وهو الأمر الذي رفضته اليونان، ووصفت الإعلان التركي بأنه «مناف للعقل من الناحية الجغرافية لأنه يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي».
ولم يتوقف التمدد التركي عند حدود ما اعتبرته اليونان «اعتداء على الجرف القاري للجزيرة»، بل امتد إلى اليمن من خلال دعم حزب «الإصلاح»، الذي يعد الذراع السياسية لـ«الإخوان» هناك، وقد فسّر متابعون للتحرك التركي بأنه «يستهدف تكرار التجربة الليبية، بما يمكن من وضع قدم على البحر الأحمر وباب المندب».
وسبق للمتحدث باسم «الجيش الوطني» الليبي، اللواء أحمد المسماري، التصريح بأن «الرئيس التركي يحاول تجنيد مرتزقة سوريين، ونقلهم إلى اليمن مقابل إغراءات مالية». مبرزا أن تركيا «تحاول تجنيد سوريين لنقلهم إلى اليمن لمساندة حزب الإصلاح الإخواني»، وأن المرتب المعروض لكل فرد «هو 5 آلاف دولار».
ونظر جمال شلوف، رئيس مؤسسة «سلفيوم» للدراسات والأبحاث في ليبيا، إلى التحركات التركية باتجاه اليمن، بأن «لدى العثمانية الجديدة التي يمثلها إردوغان حلم تقمص شخصية سليم الأول، حيث سعى إردوغان بأوهام حكمه إلى سوريا وليبيا، وها هو يتوجه إلى اليمن الآن»، وذهب إلى أن الرئيس التركي «يحاول استغلال فقر السوريين، وإغراءهم بالأموال ليدفع بهم هذه المرة إلى اليمن بذات الأدوات «الإخوانية»، وعباءتهم التي تنتج الإرهابيين».
وقال شلوف لـ«الشرق الأوسط» إن «إردوغان يبحث عبر هذا التنظيم عن «دور وموطئ قدم على البحر الأحمر، بما يمكنه من توسيع نفوذه في حوض غاز شرق المتوسط، عبر تسخير حزب الإصلاح اليمني لتحقيق طموحاته. لكن الوضع الراهن انتهى به في غرب ليبيا ودعم الميلشيات المسلحة فقط».
ومنذ أن أشار المسح الجيولوجي الأميركي إلى وجود احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط، قدر بنحو 122 تريليون قدم مكعب، بدأت الدول المحيطة بتشكيل تحالفات واتفاقيات من أجل ضمان حصتها في الثروة المكتشفة، حيث سعت أنقرة إلى تدابير تضمن لها الدخول على خط هذه الصفقات.
وبجانب ردود الأفعال الغاضبة، التي أبداها نشطاء ورواد التواصل الاجتماعي في اليمن على التحركات التركية، انتهى البشتي إلى أن كل التحركات التركية «يحكمها هوس السلطة، عبر استغلال الأحزاب «الإخوانية» من أجل هذا الهدف (…) إردوغان يفكر كسلطان وليس كرئيس دولة، وها قد وجد فرصته أخيراً بعدما استنجد به السراج لصد هجوم حفتر (القائد العام للجيش الوطني الليبي)، لذا فقد سلمتنا الحرب لقمة سائغة له، بعدما عثر في ذلك على الفرصة الثمينة التي انتظرها».
في السياق ذاته، وجه عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، مساء أول من أمس، أشار فيها إلى أن تركيا «تواصل الدفع بالأسلحة والمرتزقة إلى غرب ليبيا».
وقال عقيلة في خطابه إن بلاده «تتعرض لعدوان تركي غاشم، تدك فيه مدن ليبية آمنة من البحر والجو لترجيح الكفة لصالح الجماعات الإرهابية، والميليشيات والعصابات المسلحة»، لافتاً إلى أن هذا التدخل يُمثل «خرقاً واضحاً» للقوانين والأعراف والقرارات الدولية، و«نسفا وتجاهلا كاملاً» لمخرجات مؤتمر برلين.
المصدر: الشرق الأوسط