عالم ما بعد الجائحة!
الملاحظ أن الإدارة السيئة لأزمة فيروس كورونا، كانت من نصيب الدول الغربية، حيث برزت الأنانية لدى الدول والأحزاب، ولو أراد البعض محاكمة المسؤولين في كثير من هذه الدول عن انتشار الوباء لوضعهم في المحكمة الجنائية الدولية.
فقد أدت النرجسية السياسية وما زالت لدى بعض السياسيين الأوروبيين والأمريكيين، إلى منح الفيروس وقتاً للانتشار قبل اتخاذ أية إجراءات لحصره ومنع انتشاره. فقد أدى الخلاف السياسي في إيطاليا بين قادة الأحزاب إلى تخبط المؤسسات في مواجهة الأزمة وتنفيذ التدابير اللازمة، وشوهد زعيم حزب يميني في مطعم يحث الناس على عدم طاعة الأوامر بالإغلاق، وآخر وهو زعيم اليمين الشعبوي ماتيو سالفي، يقلل من خطورة الفيروس وينتقد إغلاق البورصة، ويحث الناس على ممارسة حياتهم العادية، ويلوم المهاجرين من إفريقيا على الفيروس، بينما تخبطت الحكومة في اتخاذ قراراتها حتى انتشر وفاقت أعداد الإصابات ما أصاب الصين نفسها، بحيث أدى ذلك إلى انهيار النظام الصحي.
الاتحاد الأوروبي سقط كنظام اتحادي، حيث تُركت كل دولة في مواجهة الفيروس دون تنسيق مع غيرها، ولما طلبت إيطاليا مساعدات من ألمانيا وفرنسا حجبت عنها. أما بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي اخترع بدعة المناعة الجمعية، فقد ترك الفيروس يصيب أكبر عدد ممكن البريطانيين لتتشكل لديه مناعة، ثم تراجع عن بدعته التي تنم عن جهل بالعلوم والأوبئة، وجاء تراجعه بعد استفحال الفيروس، وتحاول السويد تقليده.
السياسيون قامروا بأرواح الناس انطلاقاً من مصالح حزبية، ومناكفات سياسية. وما حدث في أوروبا حدث في البرازيل عندما قلل الرئيس اليميني جايير بولسونارو من خطر الفيروس ووصفه بأنه مجرد إنفلونزا خفيفة، حيث اتهم خصومه ووسائل الإعلام «بخداع» المواطنين، بشأن مخاطر فيروس كورونا، وقلل خلال مقابلة تلفزيونية من خطر الفيروس، وهاجم حكام الولايات الرئيسية بعد إصدارهم أوامر للمواطنين بالبقاء في منازلهم. أما ترامب وحليفه نتنياهو، فما زالا يتلاعبان بالجائحة لعلها تنجّيهما من فيروس الفشل في البقاء في الحكم.
ولعل مراقبة تغريدات الرئيس ترامب توضح نرجسيته واستهتاره بالكارثة؛ لأنها بدأت بعيداً عنه في الصين وأوروبا، لكنها تفاقمت عنده، حيث تباطأ في اتخاذ الوقاية، فبدأ يلوم الصين للتغطية على فشله في التعاطي السريع مع الجائحة، حيث قلل من خطر الفيروس وقال في تغريدة له: «توفي العام الماضي 37 ألف أمريكي من الإنفلونزا العادية، ولم يُغلق أي شيء؛ بل استمرت الحياة والاقتصاد. فكروا في ذلك». وأضاف أن حدسه يقول إن نسبة الوفاة بالفيروس لا تتعدى واحداً بالمئة، لكنه لم يشر إلى أنه كان ألغى وظيفة مراقبة الأوبئة المعتمدة في الصين، وهو الذي تباهى مراراً بقرب التوصل إلى لقاح، مثله مثل نتنياهو في حملتيهما الانتخابيتين، واتصل بنتياهو طالباً المساعدة، في حين أن الأخير عاجز، وكلف الموساد بالبحث عن أجهزة تنفس من السوق العالمية، واتصل بالهند للحصول على كمامات.
وتعرض نتنياهو لانتقاد أطباء ومسؤولين في الصحة «الإسرائيلية» اتهموه بمحاولة تحقيق مصالح شخصية والبقاء في الحكم.
أما بالنسبة للعالم العربي، فإن التفكير العقلاني ساد في أغلب البلدان العربية. فعلى الرغم من أن الفيروس قدم إليها من الخارج، فإنها لم تنتظر نصائح خارجية وعمدت منذ البداية إلى اتخاذ إجراءات وقائية حصرت الانتشار في القادمين من الخارج، وتعاملت بمسؤولية وحسن إدارة مع الجائحة دون وجود أية مناكفات داخلية أو محاولات لتحقيق مصالح ذاتية من قبل أي مسؤول، وهذا يسجل للنظام العربي الذي تصرف بسرعة واتخذ ما من شأنه الحفاظ على أرواح العباد ومصالح البلاد، وقد كانت دولة الإمارات سباقة في هذا المجال، حيث اتخذت كل الإجراءات الاحترازية لمحاصرة الفيروس، وحماية مواطنيها والمقيمين على أرضها.
بقي أن نقول إن سياسيين حاكمين في كثير من البلدان لن يستمروا طويلاً، فقد كشفت الجائحة أن العالم بعد كورونا سيكون مغايراً لما قبله، وقد تنشأ تحالفات جديدة وتسقط أحزاب، وتتغير حكومات لأن النظام العالمي الحالي المبني على العداء للآخر، فشل في الاختبار الإنساني.
المصدر: الخليج