تعز.. مدينة تحاصرها الأوبئة والأمراض
متابعات – قبل قليل استطعت مغادرة سرير المرض الذي اجتاح جسمي لأيام عديدة جراء الإصابة بوباء حمى الضنك، هكذا يقول عبدالعزيز الصبري، مواطن أربعيني يعيش في مدينة تعز جنوب غربي اليمن.
يشير بجسده الهزيل إلى مأساته المرضية، ويتحدث بأنه عاش حوالي ثلاثة أسابيع يعاني مع وباء حمى الضنك الذي انتشر كثيرا في مدينة تعز التي باتت محاصرة بالأوبئة والأمراض، كشيء إضافي للحصار المفروض على معظم مداخلها من قبل جماعة أنصارالله الحوثية، منذ قرابة خمسة أعوام.
لم يستطع الصبري تحمّل تكاليف الأدوية الخاصة بوباء حمى الضنك، فلجأ إلى العيش مع مرضه في منزله بالمدينة حتى الشفاء، بعد أن تجرع ويلات الآلام والأوجاع، وفقا لما تحدث به بشكل مقتضب.
وتابع “لم أكن أتوقع أن أشفى من المرض بعد طول مدته.. لقد كنت أتوقع الموت في أي لحظة بسبب الأعراض المفجعة المصاحبة له؛ لكن الله لطف بنا”.
الصبري واحد من بين الآلاف من المواطنين الذين عاشوا مع عدة أمراض وأوبئة اجتاحت مدينة تعز، فيما لا زالت أوبئة جديدة تظهر على السطح للمرة الأولى، كفيروس غرب النيل، الذي أدى إلى إصابة العشرات وظهر في المدينة كأول ظهور باليمن كلها.
وسبق أن اجتاح وباء الكوليرا العديد من المديريات في محافظة تعز المكتظة بالسكان، وأدى إلى وفاة العديد من الأشخاص بينهم أطفال ونساء ومسنون.
وتعتبر مدينة تعز، واحدة من أكبر المدن اليمنية اكتظاظا بالسكان، فيما المحافظة بشكل عام تعد الأولى من حيث نسبة السكان باليمن، الذين يقدر عددهم بالملايين.
ومدينة تعز توصف بأنها عاصمة الثقافة في اليمن، ويخضع معظمها لسلطة القوات الحكومية، فيما يحاصرها الحوثيون من معظم مداخلها، ما أدى إلى تفاقم أكبر للوضع الإنساني والصحي فيها، وهو الأمر الذي عمق من مسألة انتشار الأوبئة.
ويعاني القطاع الصحي في اليمن من تدهور حاد جراء الصراع المرير المستمر للعام الخامس على التوالي بين قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا من جهة، وجماعة أنصارالله الحوثية المتهمة بتلقي الدعم من إيران، من جانب آخر. وأدت هذه الحرب التي توصف بأنها “عبثية” إلى مقتل ما لا يقل عن 100 ألف يمني، وفقا لبعض التقارير الحقوقية.
يقول محمد الأحمدي، وهو مواطن مقيم في مدينة تعز، إن المدينة باتت مقرا للأوبئة والأمراض، نتيجة لعدم وجود النظافة، وتكدس النفايات في الشوارع والأزقة، مشيرا إلى أنه أصيب بأمراض جلدية بشكل متكرر، “وأصبحت هذه الأمراض كأوبئة منتشرة في صفوف السكان”.
وأضاف “حتى أولادي أصيبوا بعدة أمراض بينها ضيق التنفس وآلام الصدر والطفح الجلدي المستمر جراء الهواء الملوث”.
وتابع الأحمدي “المؤسف في الأمر أن تحركات السلطات المحلية في المدينة لم تكن كما هو مطلوب منها، حيث إن الأمر يستدعي إعلان الطوارئ لمواجهة هذه الأوبئة التي قتلت الكثير من السكان، لكنّ هناك تباطؤا وتقاعسا واضحين من قبل السلطات من أجل مكافحة الأمراض والأوبئة”.
ولفت الأحمدي إلى أن “المدينة المحاصرة تعاني من انعدام العديد من أنواع الأدوية إضافة إلى افتقارها للقطاع الصحي المؤهل الذي يمكن الوثوق فيه”.
وبيّن أن عددا من أصدقائه أصيبوا مؤخرا، إما بمرض حمى الضنك، وإما الطفح الجلدي بسبب البيئة الملوثة وعدم الاهتمام المتواصل بالنظافة الشخصية واستخدام المياه النقية نتيجة الظروف الصعبة التي يمرون بها.
وكان تدهور القطاع الصحي جراء ظروف الحرب سببا رئيسيا لانتشار الأوبئة في تعز والعديد من المحافظات الأخرى التي قد تعاني من وضع شبيه لذلك، في الوقت الذي يكافح السكان من أجل البقاء على قيد الحياة بفعل الصراع المرير.
وتقول تقارير منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، إن الحرب في اليمن أدت إلى إغلاق قرابة نصف المرافق الصحية في البلاد، فيما أشار تقرير سابق صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى أن اليمن يفتقر إلى 70 بالمئة من أنواع الأدوية.
ويقول تيسير السامعي، نائب مدير الإعلام والتثقيف الصحي بمكتب وزارة الصحة في تعز، إن المحافظة تعاني من انتشار للأوبئة والأمراض نتيجة لتدهور القطاع الصحي جراء الحرب المستمرة.
وأضاف أن “قدرات السلطات الصحية في المحافظة لا تتناسب مع الوضع الصحي المتأزم الذي يعاني من قصور كبير جراء الوضع العام الناجم عن الحرب والحصار”.
وتابع “خلال الفترة القليلة الماضية انتشرت أوبئة الحميات بما فيها حمى الضنك بشكل كبير في تعز، ما جعل مكتب الصحة يعلن حالة الطوارئ لمواجهته”.
وأردف “قمنا بحملات رش ضبابي لأماكن تكاثر البعوض في العديد من أحياء المدينة، إضافة إلى القيام بحملات توعية في كيفية الوقاية من الأوبئة، ما أدى إلى تراجع للحميات خلال الأيام والأسابيع الماضية”.
ولفت إلى أنه “تم رصد أكثر من 13 ألف حالة مصابة أو يشتبه بإصابتها بأوبئة الحميات منذ مطلع العام 2019”.
وذكر أن “الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية للقطاع الصحي في تعز ما زال لا يتناسب مع حجم الاحتياجات الهائلة”.
وحذر من عودة انتشار وباء الكوليرا من جديد إذا لم تكن هناك تدخلات كبيرة وحملات توعية بهذا الوباء الذي سبق أن قتل وأصاب الكثيرين في المحافظة.
ومضى قائلا “الوضع بحاجة إلى استمرار حملات التوعية بالأوبئة وخلق وعي طبي لدى السكان، وهو الأمر الذي يتطلب دعما مستمرا لهذه الأنشطة من قبل المنظمات.