السعودية تمنح المرأة حق تزويج نفسها
أعلنت وزارة العدل السعودية سلسلة إجراءات جديدة قالت إنها ستمكّن المضطهدات من تزويج أنفسهن إذا ما واجهن رفض العائلة لخُطابهن ورغباتهن في إتمام الزواج تحت أي ظرف.
وعمم وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني على المحاكم في البلاد تعليمات مشددة، يعتقد قانونيون في السعودية أنها كفيلة بالحد من ظاهرة الوصاية على شرائح من النساء عند اختيار شركاء لهن، حتى بعد بلوغ بعضهن الثلاثين والأربعين عاماً.
ونصت القواعد المنظمة لدعاوى “العضل” على وجوب البت السريع فيها، “نظراً لكونها قضايا ذات طبيعة خاصة، وحرصاً على أن تولى تلك القضايا ما تستحقه من اهتمام وأن تنجز وفق القواعد الصحيحة وبما يتوافق مع طبيعتها”. وتضمنت “إتاحة قبول دعوى “العضل” من المرأة، أو من أي صاحب مصلحة في الدعوى كوالدتها أو إخوتها ولا يلزم حضور الخاطب. وأن تفصل الدائرة في دعوى العضل المحالة إليها خلال 30 يوماً ولا يؤجل نظر الدعوى عن الموعد المقرر لها إلا عند الضرورة، مع بيان سبب التأجيل في محضر القضية ولمدة لا تزيد عن عشرة أيام، ولا يجوز التأجيل لذات السبب أكثر من مرة”.
المعالجة سرية
كما راعت القواعد خصوصية هذا النوع من الدعاوى في مجتمع محافظ مثل السعودية، وأجازت للدائرة القضائية أن “تتخذ ما تراه لحفظ خصوصية الأطراف وسرية الجلسات، أو نظر هذه الدعاوى في المحكمة خارج وقت الدوام مراعاة لمتطلبات العقد”. كما أجازت أن “تفوض الدائرة من تراه مناسباً ليقوم بإجراء عقد النكاح لدى المأذون في المكان الذي يتفق عليه طرفاً عقد النكاح دون التقيد بكونه بالمحكمة”.
وجاءت التعليمات المشددة من العدل السعودية في سياق إصلاحات واسعة تشهدها البلاد بقيادة ولي عهدها الشاب الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد وزير العدل الصمعاني في مناسبات عدة انه يدعم بشدة تمكين المرأة من حقوقها الشرعية والقانونية ومعالجة أشكال التمييز ضدها كافة، بما جعل الوزارة تقرر للمرة الأولى في تاريخ البلاد إدراج النساء في هيكلها التنظيمي وأسندت إليهن مهمات قضائية في التوثيق والمحاماة والإدارة والتطوير.
ومع أن التعديلات الجديدة لمكافحة الوصاية على بعض الراغبات في الزواج دون المستوى الذي تتطلع إليه منظمات حقوقية وقانونيون وأعضاء شورى حتى من داخل السعودية، إلا أنها في تقدير مهتمين تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، وإذا ما جرى تنفيذها بصرامة فإنها كافية لردع المتجاوزين في حق قريباتهم، خصوصاً وأن العضل الذي هو منع الولي من تحت ولايته من النساء زواج الأكفاء، مجرّم في القانون السعودي ويمكن ملاحقة مرتكبيه قضائيا في بعض الحالات.
حقوق الانسان تحرض على عدم الاستسلام
كما أن خطوات العدل السعودية، جاءت في سياق حملة متعددة الأطراف من جهات الاختصاص المختلفة في البلاد، لوضع حدٍ للانتهاكات التي تستهدف النساء والأطفال، إذ نددت هيئة حقوق الانسان في السعودية بسلوك آباء يمنعون بناتهم من حق الزواج، واعتبرت ذلك “من الجرائم التي تمس حقوق الإنسان وكرامته وتنتهك الحق في تكوين الأسرة، وتخالف كافة القوانين والأنظمة، إضافة إلى أنها ممارسة محرمة شرعاً”، مؤكدة أن هذا النوع من القضايا يُعد “أحد أشكال الإيذاء المجرمة بموجب نظام الحماية من الإيذاء، ونتابع مع الجهات المختصة إجراءات معالجتها، بما يكفل توفير الحماية اللازمة للحالات والبت في قضاياهن ومعالجتها، وضمان متابعة حالاتهن”.
ونبهت الهيئة في بيان لها حول ازدياد حالات العضل إلى أن “الأنظمة السعودية تجرم قضية العضل فأوضحت المادة الــ”39” من نظام المرافعات الشرعية أن للمرأة التي عضلها أولياؤها الحق في إقامة دعواها على من يعضلها”، داعيةً المرأة التي يُمارس في حقها العضل إلى اتباع الأنظمة لاسترداد حقها الشرعي والنظامي.
وكانت السعودية أعلنت قبل ذلك تعديل نظام وثائق السفر القديم فيها، وسمحت لكل الراشدات بالسفر وإصدار وثائقه من دون قيد أو شرط موافقة احد من اهلهن أبا كان أو زوجاً أو أخاً. وهو التنظيم الذي ضيق الخناق أكثر على ما يعرف بالعضل، خصوصا وأن نساء في السابق كن يتخذن من تهديد أولياء أمورهن بالهرب مع من يحبون، وسيلة ضغط أصبحت الآن أكثر فاعلية.
حل ناجع أم أقل من المأمول؟
وأظهرت إحصاءات حديثة ارتفاعاً في عدد حالات العضل، بمنع 2250 امرأة من الزواج بمن يرغبن الارتباط بهم في مناطق سعودية عدة، وهو مؤشر على أن القضايا الفعلية أكثر بمراحل، إذ أن الحالات التي تصل عادة إلى القضاء أقل من الفعلية بكثير، بسبب حساسيتها الاجتماعية.
ولذلك علق المحامي السعودي عبدالكريم الشمري على الخطوات العدلية في محاولة معالجة الأمر قانونياً، وقال “بحكم تخصصنا وخبرتنا السابقة تأتينا مجموعة استشارات من فتيات، يعلم الله ما بهن فساد والعفاف ظاهر من حديثهن، يعانين من عضل الأولياء في التزويج؛ لأسباب تافهة أو لمصالح شخصية، فوزارة العدل مشكورة عممت بتعميم أسطوري للانتصار للمظلومات، بتسهيل وتنظيم إجراءات دعاوى العضل”.
لكن إحدى الناشطات النسويات، ردت بالتساؤل، حول الكيفية، إذ لا ترى منطقياً أن “ترفع المرأة قضية عضل وهي ساكنة مع ولي امرها بالبيت نفسه”! واعتبرت القانون غير منطقي وغير منصف في حق المرأة. مضيفة “متى تعاملون المرأة على انها إنسانة بالغة، وهي حرة في قراراتها بالزواج؟ أين تمكين المرأة؟ قضايا العضل تسبب تصادم ومشاكل للبنت مع أهلها”.
غير أن الذي تجاهلته الناشطة السعودية، هو أن مسائل من هذا القبيل، هي في الأصل مرتبطة بذاكرة اجتماعية وفقهية ضاربة في الجذور، فلا يزال معظم الفقهاء يرون “الولي” أحد شروط صحة النكاح، حتى وإن اختارت دول عربية وإسلامية عدة التقليل من سلطته وإسناد قرار الزواج للراشدات إلى أنفسهن من دون الحاجة إلى حضور الولي أو توقيعه إلا على سبيل التشريف أحياناً، وفقاً لرأي الحنفية الذي يبيح ذلك. ومع أن الساحة السعودية شهدت جدلاً مرات عدة حول العضل ومفرداته مثل “تكافؤ النسب”، إلا أن حقوق الانسان ترى الحل في نشر الوعي بين الأولياء وليس فقط بالضرورة إلغاء شرط الولي في إجراءات الزواج، مثلما تطالب بعض النساء والحقوقيات، مثل عضو الشورى السعودية إقبال درندري في تصريحات سابقة، أدلت بها لـ”اندبندنت عربية”، وأثارت جدلاً واسعاً.
الطمع في المال والمكابرة
وذكرت الفقيهة السعودية الدكتورة هالة جستنية في دراسة أجرتها حول العضل، أن له صوراً متعددة “تعود في مجملها إلى المعاندة والمكابرة، أو الطمع في المال، على اختلاف صوره، أو تعسف الولي في استعمال حقه ونحو ذلك”، ورأت أنه من النوازل الفقهية في العصر الراهن، مشيرة إلى أن علاجه يكون بـ”محاربة العادات والتقاليد الخاطئة المخالفة للشريعة الإسلامية وتثقيف المجتمع، ونشر الوعي، وعقد دورات للتعريف بحقوق المرأة وواجباتها ومكانتها”.
ومن طرائف النقاشات حول الوصاية على النساء في السعودية على هذا الصعيد، محاصرة الناشطات لفقهاء بإبراز تناقضاتهم في الترخيص لأنفسهم ولكل الرجال بأنماط من الزيجات المحرمة في أصلها فقهياً أو أخلاقياً، مثل “المتعة والمسيار والزواج بنية الطلاق”، في وقت يضيقون فيه الخناق على المرأة، ويحيطونها بترسانة من الممنوعات، من دون سند شرعي، وإنما بتواطؤ مع المجتمع وعاداته التي يرى الفقهاء المتنورون أولى الناس بالثورة ضدها.
وتتعدد الأمثلة حول هذه الجزئية، لدرجة أن عضو مجلس الشورى السعودي لطيفة الشعلان، أبدت استياءها مرات عدة من تردد بعض زملائها الأعضاء في المبادرة بتأييد بعض توصياتها، فيرفضون معظم الإصلاحات التي تقترحها وزملاء قلة معها في صالح المرأة، ثم حين لا تجد السلطة بداً من التدخل فتتخذ قرارها بالسماح أو بإلغاء الحظر، وحينها فقط يستدرك بعض أولئك ويباركون القرار الذي كان بالإمكان أن يسهموا في التبكير به، وإنهاء معاناة شرائح من مواطنيهم، وضربت لذلك أمثلة عدة، أشهرها قضية العقود والسنين في السعودية، وهي “قيادة المرأة السيارة”، قبل أن يصدر العاهل السعودي الملك سلمان قراره بفك حظرها إلى غير رجعة.
المصدر: اندبيندنت