تحليل.. العراق تحت اختبار الاستقلال… هل يطبق قرار تجميد أموال الحوثيين فعلياً؟
محمود الطاهر

يجد العراق نفسه اليوم أمام اختبار غير مسبوق في تاريخه الحديث، مع تصاعد الجدل حول مدى قدرته على تنفيذ قرار تجميد أموال وممتلكات مليشيا الحوثيين الإرهابية داخل أراضيه، في ظل تشابك المصالح الإقليمية والضغوط الدولية وتوازنات القوى المعقدة داخل البلاد.
فالعراق الذي لطالما حاول اللعب على حافة التوازن بين واشنطن وطهران، يبدو اليوم في مواجهة امتحان صعب سيكشف مقدار استقلالية قراره السياسي، ومدى قدرة حكومته على الالتزام بأي خطوة تضعه في مسار يتقاطع مع مصالح إيران ووكلائها في المنطقة.
ويرى مراقبون أن قرار تجميد أموال الحوثيين – إن مضت بغداد في تطبيقه فعلياً – سيكون أول خطوة عملية للعراق تجاه الحد من نشاط المليشيات المرتبطة بطهران خارج حدوده، غير أن التحدي الأكبر يكمن في مدى قدرة الحكومة العراقية على مواجهة النفوذ الإيراني العميق داخل مؤسسات الدولة، خاصة الأمنية والاقتصادية والحزبية.
فمليشيا الحوثي بالنسبة لطهران ليست مجرد جماعة تسيطر على أجزاء من شمال اليمن، بل امتداد استراتيجي مهم في البحر الأحمر وباب المندب، وأداة ضغط إقليمية تراهن عليها إيران في صراعها المفتوح مع الولايات المتحدة وحلفائها.
وتشير مصادر سياسية عراقية مطلعة إلى أن طهران تنظر إلى أي إجراء عراقي ضد الحوثيين باعتباره مساساً مباشراً بأذرعها الإقليمية، تماماً كما لو استهدف حزب الله في لبنان أو الميليشيات العراقية الموالية لها.
وهذا يعني أن بغداد لن تكون قادرة على اتخاذ خطوة من هذا النوع دون حساب ردود الفعل الإيرانية، التي قد تذهب نحو استخدام أدوات الضغط الداخلية، سواء عبر الفصائل المسلحة، أو عبر الكتل السياسية المرتبطة بها داخل البرلمان.
امتصاص الضغوط
في المقابل، يعتقد مراقبون أن العراق قد يكون مضطراً للمضي في تنفيذ القرار ولو بشكل تدريجي، في محاولة لامتصاص الضغوط الأمريكية المتصاعدة على الحكومة الحالية، خصوصاً بعد أن بدأت واشنطن تربط مساعداتها الاقتصادية والسياسية بمدى قدرة بغداد على ضبط المليشيات والحد من تغول النفوذ الإيراني.
ويقول دبلوماسيون إن الإدارة الأمريكية تنتظر من العراق رسائل واضحة تظهر أنه ليس مجرد امتداد سياسي واقتصادي لطهران، وإن كان هذا الأمر في الواقع أكثر تعقيداً من مجرد قرار حكومي، بالنظر إلى أن غالبية البنية المجتمعية والسياسية للبلاد ترتكز على المكون الشيعي، الذي تربطه وشائج طائفية ومذهبية مع إيران، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.
ورغم هذا الرابط المذهبي، يشير محللون إلى أن “عقد الشيعة” قد لا يكون متماسكاً كما يبدو، فالعراق اليوم يسير في اتجاه مستقل نسبياً، مدفوعاً بمصالح وطنية واقتصادية تتعارض أحياناً مع مصالح إيران.
كما أن المزاج الشعبي العراقي، وخاصة ما بعد احتجاجات أكتوبر، بات أكثر رفضاً لأي هيمنة خارجية، حتى لو جاءت من بلد ذي قرب عقائدي.
وهذا يعني أن بغداد قد تملك هامشاً للمناورة يسمح لها باتخاذ خطوات محسوبة ضد وكلاء إيران، وإن كان ذلك ضمن سقف لا يتسبب في انفجار داخلي أو صدام مباشر مع طهران.
رد الحوثي وإيران
أما بالنسبة لتوقعات رد الحوثيين على أي خطوة عراقية تستهدف أموالهم، فيتوقع مراقبون أن تلجأ المليشيا إلى التصعيد الإعلامي والاتهامات السياسية، وربما محاولة الضغط عبر العلاقات غير المعلنة مع بعض الفصائل العراقية الموالية لإيران.
لكن المليشيا، وفق محللين، تدرك جيداً أنها لا تستطيع فتح مواجهة مع بغداد، لأنها تعتمد اقتصادياً ومالياً على شبكات تمتد داخل العراق ولبنان وإيران، وأي خسارة في إحدى هذه الساحات ستنعكس على قدرتها في تمويل حربها باليمن.
لذلك من المرجح أن يقتصر رد فعلها على حرب تصريحات وإرسال رسائل غير مباشرة دون الذهاب نحو صدام فعلي.
أما إيران، فيُتوقع أن تتعامل بحذر مع الخطوة العراقية، فطهران التي تواجه ضغوطاً أمريكية وعقوبات متزايدة قد لا ترغب في فتح جبهة جديدة مع بغداد، لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بإضعاف أحد أهم أذرعها الإقليمية، وبالتالي، قد يكون ردها مزدوجاً، في الضغط السياسي والداخلي لإبطاء تطبيق القرار، مقابل تسويات موضعية مع واشنطن لتخفيف حدة العقوبات أو الحصول على تنازلات في ملف آخر.
ساحة مقايضة
وهنا يرى محللون أن العراق قد يتحول إلى “ساحة مقايضة” بين واشنطن وطهران، بحيث يصبح تنفيذ قرار تجميد الأموال جزءاً من صفقة أكبر تتعلق بالوجود العسكري الأمريكي في العراق أو ملف العقوبات على إيران.
وفي خضم هذا المشهد المعقد، يبرز سؤال جوهري، هل يستطيع العراق فعلاً مواجهة نفوذ المليشيات المرتبطة بإيران؟
الإجابة بحسب الخبراء تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية، وهي قدرة الحكومة على ضبط الفصائل المسلحة داخلياً، ومدى استعدادها لتقديم تنازلات للولايات المتحدة مقابل تعزيز نفوذها السياسي، وإلى أي حد ستسمح إيران لبغداد بالخروج من عباءتها.
فالعراق وإن كان دولة ذات سيادة نظرياً، إلا أن الواقع السياسي والأمني يشير إلى أن السيادة تُمارَس ضمن هوامش ضيقة تتحدد وفق ميزان القوى الداخلي والخارج.
وفي المحصلة، يبدو أن قرار تجميد أموال الحوثيين، إن نُفذ، سيكشف الكثير حول مستقبل العراق في المرحلة المقبلة، هل سيستمر كدولة معلّقة بين واشنطن وطهران؟ أم يسير نحو استقلال نسبي يضعه في موقع مختلف داخل المعادلة الإقليمية؟
الإجابة ستتضح ليس فقط من موقف بغداد من الحوثيين، بل من قدرتها على مواجهة النفوذ الإيراني دون أن تهتز قواعد الحكم الداخلي أو يتفكك التحالف الشيعي الذي يشكل العمود الفقري للسلطة.





