حصاد 2022.. عام مراوغة إيران في الاتفاق النووي

على مدى 11 شهرا من عام 2022، شهد ملف الاتفاق النووي مع إيران الكثير من الشد والجذب، واتبعت واشنطن وطهران أسلوب المناورة طويل النفس.

ففي بعض المراحل كانت عودة الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران عام 2018، قاب قوسين أو أدنى، لكن الملف عرف الكثير من المد والجزر في هذا الاتجاه، حتى الانحسار، وعودة تلك الجهود إلى المربع الأول.

في هذا التقرير ضمن تقارير حصاد 2022، تتبع مسار جهود إحياء الاتفاق النووي على مدى أشهر السنة، وأبرز محطاته.

يناير
مطلع يناير 2022، انطلقت جولة مفاوضات جديدة في فيينا حول الاتفاق النووي بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، الحذرة حينها إزاء التصريحات الإيجابية لإيران، حول الرغبة في إحياء الاتفاق الموقع عام 2015.

وكان يعول على الجولة الجديدة، بناء على التحمس الأوروبي لإقناع إيران بالعدول عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، لكن طهران كانت تطرح بندا أساسيا هو رفع العقوبات المفروضة من واشنطن.

وأبدت طهران في هذه الجولة تطلعها لاتفاق نووي موثوق مع الغرب، لكن نتائج مفاوضات فيينا في يناير لم تكن إيجابية، وعلقت الجلسات وسط دعوات أوروبية إلى قرار سياسي من طهران وواشنطن للتوصل إلى تنازلات.

فبراير
عمدت واشنطن إلى خطوة في اتجاه جذب إيران للامتثال للاتفاق النووي، عبر قرار بتخفيف العقوبات، يشمل إعفاءات للأنشطة نووية مدنية لإيران، كبادرة حسن نية، لكن طهران اعتبرت ذلك غير كافٍ.

بعد ذلك عادت الوفود الإيرانية والأوروبية إلى فيينا في جولة ثامنة، في محاولة من الجانبين لإطلاق جهود إحياء الاتفاق النووي، وعين طهران على تنازلات جديدة من واشنطن.

وهنا بدأت انتقادات بالكونغرس تتصاعد ضد الإدارة الأمريكية لمحاولة العودة للاتفاق النووي بشروط مجحفة من إيران، لكن الجولة الثامنة كانت أحسن من سابقاتها.

وبات في هذه المرحلة اتفاق إيراني- أمريكي في طور التكوين بغية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وبدا أن مسودة هذا الاتفاق جاهزة، وستطبق على مراحل تمهيدا إلى الامتثال الكامل من قبل طهران.

لكن إيران انسلخت من مسودة الاتفاق التي سربتها وكالة “رويترز”، وانتقدت الأوروبيين، بإقحام قضايا في المفاوضات لا تتعلق بصلب الاتفاق النووي.

في المقابل غلبت واشنطن نبرة التفاؤل، وأكدت أن إبرام اتفاق يحي الاتفاق النووي الإيراني، غير مستبعد خلال أيام، بشرط إبداء إيران جدية أكبر.

الرد من إيران لم يتأخر لكن ليس عبر المفاوضين في فيينا، بل من البرلمان الذي أعلن شروط طهران للعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي، تضمنت طلب خطوات عملية قبل أي خطوة، منها مردودية مالية من صادراتها، وضمانات أمريكية.

مارس
واصلت دول الاتحاد الأوروبي ورسيا، جهودها من أجل إحياء الاتفاق النووي عبر التواصل مع الإيرانيين، وصدرت تصريحات من عواصم أوروبية عن قرب التوصل لاتفاق.

لكن الخلاف الروسي الأوروبي طغى على الأجواء الإيجابية، حيث اتهمت بروكسل موسكو بالسعي إلى استغلال إحياء الاتفاق النووي لصالحها، خصوصا مع التوتر في أوكرانيا.

أبريل
في هذا الشهر تصاعدت الاتهامات بين واشطن وطهران، حول من يؤخر توقيع الاتفاق الذي باتت ملامحه واضحة أكثر من السابق، في وقت أشارت فيه طهران إلى أنها لن تعود لفيينا إلى لتوقيع اتفاق.

لكن في واشنطن طرأت نبرة جديدة، تصعد من الحزب الجمهوري تحذر الرئيس الديمقراطي بايدن، من توقيع اتفاق مع طهران، وتدعوه لوقف المفاوضات النووي فورا.

بينما كانت إيران في ذات الوقت تلعب في الخفاء مع الإدارة الأمريكية للاستفادة من مكاسب أخرى في حال توقيع الاتفاق، منها حذف الحرس الثوري من قائمة الإرهاب لدى واشنطن، كشرط للعودة إلى أي اتفاق.

ومع انطلاق العملية الروسية في أوكرانيا، انتاب الغرب قلق من أن توقيع اتفاق نووي مع إيران سيصب في هذه المرحلة في مصلحة روسيا.

ورغم ذلك كانت الجهود نحو إحياء الاتفاق متقدمة، حتى أن إيران أعلنت أن الاتفاق التقني مع الغرب حول إحياء الاتفاق النووي، بات جاهز، ولا يعيق التوقيع سوى الخلاف السياسي حول بعض الخطوات الأخرى.

وفي هذه المرحلة لمح وزير الخارجية الأمريكي بالفعل إلى موضوع رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأجنبية في خطاب أمام الكونغرس، مقابل التزامها في الاتفاق النووي المرتقب.

مايو
حمل شهر مايو/ أيار انتكاسة في جهود إحياء الاتفاق النووي، وبات حديث واشنطن عن إجراءات بديلة لذلك، حتى أن مجلس الشيوخ الأمريكي أقر مشروع قرار يعقد طريق العودة للاتفاق النووي، باعتباره ضرورة أن يشمل أي اتفاق مع إيران برنامجيْها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، ووضع خطا أحمر أمام بايدن في رفع اسم الحرس الثوري من لوائح الإرهاب.

وهكذا أصبح الطريق مسدودا أمام عودة الاتفاق النووي، الذي لم تغتنم إيران الفرص التي أتيحت لها بشأنه، وخذلت الوسطاء الأوربيين.

وساد التشاؤم جميع الأطراف بما في ذلك الدول الأوروبية، ورأت بروكسل أن فرص إحياء الاتفاق النووي تتضاءل أمام إيران، بحسب تعبير مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.

يونيو
استمر في يونيو/ حزيران التشاؤم حيال إحياء الاتفاق النووي، وحملت واشنطن طهران مسؤولية فشل جهود الشهور الماضية، بسبب مطالبها التي منعت إحراز تقدم، فيما هددت إيران بالمقابل بالرد الفوري على أي تدخل سياسي غربي في شؤونها.

وعمدت طهران في هذه المرحلة إلى التصعيد معلنة زيادة تخصيب اليورانيوم، بينما اتهمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم تقديمه “معلومات موثوقة” حول مواد نووية مصنعة عُثر عليها في مواقع سرية في إيران.

وهنا بات إحياء الاتفاق النووي في مهب الريح، بعد تعنت إيران على رقابة الوكالة الدولية، وإزالة كاميرات المراقبة، في تصعيد هو الأكبر منذ فترة.

بيد أنه قبل انتهاء يونيو عادت أوروبا إلى جهودها لإقناع إيران عبر زيارة مسؤولين إلى طهران، وحرصت على انطلاق مباحثات أكثر جدية هذه المرة.

يوليو
وافقت إيران على فتح باب التفاوض من جديد، لكنها أضافت مطالب أخرى في المحادثات النووية، رأت واشنطن عبر مبعوثها لمحادثات فيينا روبرت مالي، أنها لا تتعلق بالمناقشات حول برنامجها النووي.

وأخذ الأوروبيون على إيران تضييع فرصة التوصل لاتفاق نووي جديد، ومجددا نفضت أوروبا يدها من كل تلك المساعي، فهذا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعرب عن أسفه لمواصلة طهران رفض إبرام اتفاق إعادة إحياء الاتفاق النووي.

أما إيران فهربت إلى الأمام لتصعد من تخصيب اليورانيوم في أعماق الأرض، معلنة وصول التخصيب إلى 20%، بواسطة أجهزة طرد مركزي، لكنها دعت واشنطن في نفس الوقت للتحلي بالمرونة للتوصل لاتفاق، وحملتها مسؤولية التأخر في ذلك.

وحذر قال الرئيس الأمريكي من أن الولايات المتحدة لن تنتظر إيران إلى الأبد، بعدما عرضت على قيادتها ما يمكن قبوله للعودة إلى الاتفاق النووي.

وفي تصعيد من واشنطن قدم مسؤولون في الولايات المتحدة مشروع قانون إلى الكونغرس يسعى لمراقبة قدرة إيران على التسلح النووي، ويكبح قدراتها الصاروخية.

عادت جهود أوروبا للمرة الثالثة هذا العام لإنقاذ الاتفاق النووي، وعرض الاتحاد الأوروبي مسودة نص جديد على إيران كفرصة أخيرة، تستنفد كل التنازلات الممكنة.

وردت إيران بإيجابية على المقترحات الأوروبية، بما يمهد لعودة استئناف المفاوضات النووي في فيينا، وبحضور غير مباشر للجانب الأمريكي.

أغسطس
الأجواء الإيجابية أدت إلى استئناف المحادثات، في ظل تفاؤل ضئيل بحدوث انفراج في جدار الرفض الإيراني، ووسط تدافع للمسؤولية بشأن التوصل إلى حل مرضي للأطراف المعنية بالاتفاق النووي.

وكما كان متوقعا قدمت إيران في هذه الجولة شروطا تعجيزية، أبزرها إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشرط أساسي للعودة إلى الاتفاق النووي.

ختام المفاوضات كان أفضل من افتتاحها، فقد توصلت الأطراف في فيينا إلى بلورة نص نهائي صاغه الاتحاد الأوروبي، ويرتكز على تخفيف للعقوبات على إيران مقابل قيود صارمة على برنامجها النووي.

وتشبثت إيران في ردها على المسودة بتوفير ضمانات أمريكية، تمنع انسحابها من الاتفاق النووي، وتقديم تعويض في حال وقع ذلك منها.

وبالفعل تلقت إيران الرد الأمريكي عبر الوسيط الأوروبي، ويتضمن مسودة اتفاق بشروط محددة، تخفض من سعي إيران لإنتاج القنبلة النووية، مقابل تخفيف العقوبات.

أمام هذا التفاؤل رفضت إيران من جديد مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورهنت عودتها لإحياء الاتفاق بوقف ملف التحقيقات في الانتهاكات الإيرانية منذ 2018.

سبتمبر
وأما تلكؤ إيران، تضاعف الضغط على إدارة بايدن هذه المرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لعدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

وانضمت القوى الأوروبية إلى نواب الحزبين الأمريكيين، وشككت بروكسل في جدية إيران بشأن العودة إلى الاتفاق، وختم التشاؤم وزير الخارجية الأمريكي بتأكيده على أن احتمالات التوصل إلى اتفاق على المدى القريب مع طهران أمر غير مرجح.

أكتوبر
وبدا أن جهود الاتفاق النووي باتت في حالة ركود، خصوصا مع بدء مظاهرات عارمة في إيران احتجاجا على مقتل الناشطة مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق في طهران، وبات لدى واشنطن وهي في انشغال بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس ما هو أهم، مع وضع استراتيجية التعايش دون اتفاق مع طهران.

نوفمبر
وبالفعل ابتعد الاتفاق النووي من جدول أعمال الولايات المتحدة، وخفت بريقه في طهران، ونفضت أوروبا المنشغلة بتداعيات الأزمة في أوكرانيا، منه أيديها.

وعاد إيران إلى رفع تخصيب اليورانيوم، وأوصلته إلى نسبة 60% في خطوة نسفت كل الجهود، وأثارت غضب القوى الغربية إلى وقف نشاط إيران النووي بالطرق السلمية، وعبر إحياء الاتفاق المبرم عام 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى