رسائل حوثية مبكرة لرفض الالتزام ببنود الهدنة الأممية بعد تمديدها

اعتبر مراقبون للشأن اليمني أنّ إعلان المبعوث الأممي هانس غروندبرغ عن موافقة الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية على تمديد الهدنة شهريْن إضافيّيْن استجابة مباشرة للضغوط الدولية، في الوقت الذي تشير فيه المعطيات على الأرض إلى استعداد الفرقاء اليمنيين لجولة قادمة من الصراع في ظل التزام هش بوقف إطلاق النار وتعثر تنفيذ بنود الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة.

ويرجح هؤلاء المراقبون أن تتعرض الهدنة لانتكاسة مفاجئة وسريعة إذا لم ينجح المجتمع الدولي في إحداث توازن في المكاسب التي تجعل من وقف إطلاق النار مصلحة مشتركة لطرفي النزاع في اليمن…

ويعتبر عزت مصطفى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات أن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الناطق باسم ميليشيا الحوثي محمد عبدالسلام، والتي تزامنت مع بدء تمديد الهدنة، تشير إلى أن الميليشيا الحوثية ترفض تماما الإيفاء بالتزاماتها بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها من إيرادات ميناء الحديدة حسب اتفاق الهدنة وقبله اتفاق ستوكهولم 2018، مرجحا أن تنتهي مدة تمديد الهدنة دون تنفيذ الالتزامات الحوثية في شقها الإنساني، خاصة وأن ملف فتح معابر تعز دخل هو الآخر في طريق مسدود ويواجه تعنتا حوثيا.

وسبق لعبدالسلام أن أكد أن جماعته اشترطت شروطا جديدة تعزز مكاسبها السياسية والاقتصادية من الهدنة.

ولفت مصطفى إلى أن عدم تحقيق أي تقدم في ملفيْ معابر تعز وصرف الرواتب سينعكس على ملف مهم آخر وهو ملف تبادل الأسرى والمعتقلين الذي أهمل مؤخرا نتيجة تمكن الحوثيين من تجزئة قضايا تنفيذ التزامات الهدنة.

وتابع “نتيجة حصول الحوثيين على كل مطالبهم من الهدنة فإن الوارد هو تعنتهم في تنفيذ الالتزامات التي تعهدوا بها، وهذا يدفعهم إلى البحث عن طلبات تعجيزية أكثر خارج اتفاق الهدنة مقابل موافقتهم على تنفيذ التزاماتهم التي لن تنفذ في كل الأحوال”.

وحول توقعاته لمسار الهدنة في ظل المعطيات الأخيرة بشأن تعثر تنفيذ بنودها أضاف مصطفى، في تصريح لـ”العرب”، “من المتوقع أن تنتهي مدة تمديد الهدنة دون تحقيق أي تقدم في الملفات الإنسانية الثلاثة التي تندرج في إطار التمهيد الذي يسبق الذهاب إلى أي تسوية سياسية شاملة. وسيكون المشهد اليمني أمام خيارين؛ فإما فشل تمديد الهدنة لفترة ثالثة وتُترك الأمور عرضة لعودة المواجهات العسكرية المفتوحة، وهذا الاحتمال مرهون بمدى استعداد الطرفين لهذا الاحتمال إذ من المرجح أن تلجأ ميليشيا الحوثي إلى معاودة محاولة سيطرتها على مأرب النفطية في حال استكملت استعداداتها العسكرية التي وفرتها لها الهدنة، أو الذهاب إلى مشاورات تسوية سياسية نهائية هشة غير مبنية على حسن نوايا أو رغبة في تنفيذ مخرجاتها في حال رضخت الشرعية للضغوط المسلطة عليها في هذا الشأن”.

وبدوره يرى الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن الحوثي سعى بكل الوسائل لتمديد الهدنة بعد أن تم تنفيذ كل شروطه خلال الهدنة الماضية. وعن رؤيته لمصير هذا التمديد قال “لا بد أن يكون هناك حذر شديد من هدنة الشهرين، ويجب إجبار الحوثيين على الالتزام بتنفيذ بنود الهدنة بشكل كامل قبل أن يتم الانتقال إلى تنفيذ مطالب إضافية، ومن ضمنها نقل البنك المركزي إلى صنعاء تحت ادعاء إنساني كما حدث بشأن وثائق السفر الصادرة من الحوثيين”.

وأشار الطاهر في تصريح لـ”العرب” إلى أن أي تمديد آخر للهدنة الأممية يعني إدخال المجلس الرئاسي في مرحلة التدمير الذاتي، وهو ما يسعى له الحوثيون من خلال المراهنة على تمديد الوقت وإبقاء الوضع في البلاد بصيغة لا حرب ولا سلام، مع العمل وفق اتجاهات متعددة، منها زرع الخلافات والاستعداد لحرب كبيرة.

وتابع “الهدنة ستسمر من قبل الجانب الحكومي، وستُخرق من قبل الحوثيين، وهو ما سيحول أنظار اليمنيين إلى المجلس الرئاسي اليمني، وبناء على ذلك سيحددون موقفهم منه، إن كانوا سيساندونه أو يفقدون الأمل فيه، وثقة الشارع يجب أن تأتي من خلال القرارات القوية، والإصرار على تنفيذ مصالح الشعب وليس تقديم تنازلات لصالح الحوثي، تحت بند إنقاذ الشعب”.

ويعتبر مراقبون أن المضي قدما في تمديد الهدنة دون إبداء الحوثيين أي التزام ببنودها قد يأتي بنتائج عكسية على المدى القريب، الأمر الذي قد يعقد الأزمة اليمنية في ظل تصاعد الانتقادات الشعبية للدور الأممي والدولي في التعامل مع التعنت الحوثي وتركيز الضغوط على الحكومة الشرعية.

ويلوم يعقوب السفياني، مدير مكتب مركز سوث 24 للدراسات في عدن، مجلس القيادة الرئاسي على قبوله بتمديد الهدنة شهرين إضافيين قبل أن يقوم الحوثيون برفع الحصار عن تعز وفتح طريق تعز وبقية المحافظات الأخرى.

وأشار السفياني في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الجماعة المدعومة من إيران لم تنفذ التزاماتها ببنود الهدنة فيما سفن الوقود تدخل ميناء الحديدة والرحلات الجوية تسيّر من مطار صنعاء”.

وحول المآلات المحتملة في ظل الرسائل الحوثية الأخيرة بشأن رفض تقديم أي تنازلات في الشقين العسكري والإنساني من الهدنة، تابع “تمديد الهدنة في ظل هذا التعنت الحوثي هو ضوء أخضر للمزيد من التعنت والحصول على التنازلات التي لن تفضي إلى أي سلام أو وقف للحرب، وإذا لم تضغط الأمم المتحدة على الحوثيين لتنفيذ ما يقع على عاتقهم من بنود الهدنة فإنها تحكم عليها بالعدم وقد لا تكمل فترة تمديدها قبل أن تندلع المعارك عندما يجد الحوثيون الفرصة مناسبة لذلك”.

وأضاف “وهنا لا نفوّت الإشارة إلى أنهم بالفعل يحشدون في العديد من الجبهات في مأرب والضالع وغير ذلك، ودون الضغط الأممي على الجماعة فإن تمديد الهدنة في المحصلة لا يعني سوى المزيد من الوقت لهذه الجماعة كي تقوم بترتيب صفوفها وجبهاتها. ولقد أظهرت الفترة السابقة من عمر الهدنة عدم جديتها في الكثير من الالتزامات بل واستغلالها للهدنة”.

زر الذهاب إلى الأعلى