ما أسباب تحول في الخطاب الأميركي والأممي حول اليمن؟

وصف مراقبون للشأن اليمني التحول اللافت في خطاب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تجاه الملف اليمني بعد إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن الدولي الثلاثاء بأنه مؤشر على تراجع المجتمع الدولي عن مواقفه المتشددة إزاء التعنت الحوثي نتيجة لتدخلات إقليمية شهدتها الآونة الأخيرة، إضافة إلى محاولات واشنطن والاتحاد الأوروبي لاستخدام ملف الأزمة اليمنية كورقة في مباحثات فيينا مع طهران حول الاتفاق النووي والإشارات عن إحراز تقدم في هذه المباحثات في الأيام الماضية.

وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي خلال لقاء جمعه بالمبعوث الأممي إلى اليمن خالية من عبارات الإدانة المباشرة للحوثيين، والتي كانت مألوفة في مواقف واشنطن في الفترة الماضية، حيث عاد خطاب بلينكن إلى مربع توزيع مسؤوليات استمرار الحرب وتداعياتها وسقوط المدنيين بين جميع الأطراف.

ونقل المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس عن بلينكن تشديده على “الحاجة الملحة إلى وقف التصعيد وقيام جميع الأطراف بالتقيد بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين”، ودعم واشنطن “للجهود المستمرة التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في إطار البحث عن حل سياسي شامل”.

واعتبر مراقبون أن إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن الدولي الثلاثاء تمثل عودة إلى الخطاب التقليدي للمنظمة الدولية إزاء الأزمة اليمنية، بعد أن شهدت المواقف الأممية والدولية خلال الأشهر الأخيرة تحولا في اتجاه الضغط على الحوثيين وتحميلهم مسؤولية تعثر السلام في اليمن والتلويح بفرض المزيد من العقوبات على قادتهم.

وقالت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إن إشارة المبعوث الأممي إلى عمله على تطوير إطار عمل لخطته المتعلقة بإيجاد تسوية سياسية شاملة و”تأسيس عملية متعددة المسارات، يمكن من خلالها التعامل مع مصالح الأطراف المتصارعة ضمن سياق أجندة يمنية أوسع في ثلاثة مسارات للشؤون السياسية والأمنية والاقتصادي” بحسب ما جاء في كلمته أمام مجلس الأمن، تعدّ عودة إلى المربع الأول في جهود الأمم المتحدة في اليمن، والعمل وفقا للمحددات الأممية التي وضعها المبعوث السابق مارتن غريفيث في بداية عمله في اليمن والقائمة على فكرة تجزئة الملفات وترحيل الحلول النهائية.

وحول خلفيات التحول اللافت في الموقفين الدولي والأممي إزاء الأزمة اليمنية رجح الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” أن “يكون هذا التحول ثمار جهود قامت بها سلطنة عُمان وقطر، واستطاعتا من خلالها امتصاص الغضب الدولي تجاه الحوثيين بعد هجمات إرهابية عابرة للحدود، وأقنعتا الولايات المتحدة بشكل خاص أن الحوثيين على استعداد للجلوس على طاولة الحوار”.

وأشار الطاهر إلى أن تراجع الموقف الأميركي بدأ منذ زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الولايات المتحدة، وفي أعقاب تصريحات وزير خارجية عُمان بدر البوسعيدي لموقع المونيتور الأميركي في الحادي والثلاثين من يناير الماضي التي حذر فيها من أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية قد يقوض الجهود السياسية الرامية إلى وقف الحرب في اليمن.

ولفت إلى أن التحولات الأخيرة التي جاءت بالتزامن مع زيادة الضغط العسكري على الحوثيين تفسر إلى حد كبير التحول في خطاب الجماعة الممولة من إيران وتصريح بعض قادتها بأنها على استعداد للحوار ومن ثم لقاء المبعوث الأممي في سلطنة عُمان، إضافة إلى وجود وعود بلقاء زعيم الجماعة في صنعاء كتمويه للمجتمع الدولي بأن الحوثيين على استعداد للانخراط في مباحثات من أجل إنهاء الحرب، وإن كانت المشاورات المنتظرة على الأرجح تدور في إطار محدود وهو حول ملف الأسرى لحاجة الحوثيين الماسة إلى ذلك.

وتابع الباحث السياسي اليمني “بعد الضغط العماني والقطري، أعتقد أن هناك محاولة أميركية فاشلة للضغط على الحوثيين وإجبارهم على المشاركة في محادثات سلام وإنهاء الحرب، وإن كنا نرى ملامح لمشاورات، لكنني أجزم أنها وهمية ستمنح الحوثيين بعض الوقت لاستعادة أنفاسهم. وربما قد تفرض إدارة بايدن عقوبات يجوز لنا وصفها بأنها ‘طمأنة للحلفاء’ لا أكثر، بينما يثبت ذلك أن بايدن يتاجر بورقة الحوثيين في الملف النووي، وتتاجر إيران أيضًا بهم في ذات الملف، وهذه الورقة ستحرق بعد أي اتفاق أميركي – إيراني”.

ومن جهته يقلل رئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى من حجم التحول في الموقف الأميركي، مشيرا إلى أن تصريحات بلينكن موقف دبلوماسي روتيني يجدد دعم الإدارة الأميركية لجهود المبعوث في التوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن، ولا يمكن الارتكاز على نتائج الاتصال بين بلينكن وغروندبرغ للتأكيد على موقف محدد للإدارة الأميركية من الأزمة اليمنية الذي من المؤكد أنه موقف أوسع وأشمل مما نتج عن الاتصال بينهما، وفقا لمصطفى الذي أشار إلى أن الموقف الأميركي مرتبط بعدة أبعاد من ضمنها تأثير الحرب في اليمن على الأمن الإقليمي والأمن في البحر الأحمر والهجمات العدائية للحوثيين خارج الحدود وغيرها من القضايا.

وحول توقيت التصريحات التي وردت على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية حول الاتصال بين بلينكن وغروندبرغ، أضاف مصطفى “نستطيع أن نقول إنه نتيجة جهود من المبعوث الأممي لحشد تأييد دولي لمهمته بعد الإحاطة التي قدمها لمجلس الأمن الدولي، رغم أن مهمة المبعوث لم تتبلور حتى الآن رغم مرور سبعة أشهر على تعيينه في المهمة، وبدا من الإحاطة أنه يرغب في تسريع المهمة بمحاولة استرضاء الحوثيين لتخفيف موقفهم المتشدد من عملية السلام”.

وفي ذات السياق يعزو الباحث السياسي اليمني سعيد بكران التغير في لهجة الأميركيين والحوثيين إلى ما يقول إنها نتيجة وانعكاس طبيعي لما يبدو أنها تفاهمات أميركية – إيرانية حقيقية في فيينا، وقرب التوصل إلى اتفاق إن لم يكن أصلا قد حدث بالفعل ولم يبقى سوى اللمسات الأخيرة، مشيرا إلى أن “الورقة اليمنية في السياسة الخارجية الإيرانية هي بالأساس أداة ضغط أو وسيلة تحريك إيرانية للملفات العالقة”.

وحول الارتدادات المتوقعة لهذا التحول، تابع بكران لـ”العرب” أن “الأنظار تتوجه إلى معسكر المملكة العربية السعودية والدول الحليفة لها وكيف يمكن أن تتعامل مع الموقف من إيران والحوثيين في اليمن، وما هي الأوراق المحلية التي يمكن أن يفعلها التحالف في وجه الانفتاح الأميركي على إيران والغزل المتبادل بين الطرفين؟”.

ويرى الباحث السياسي اليمني فارس البيل في تصريح لـ”العرب” أن الإدارة الأميركية ما تزال ترى في ميليشيا الحوثي مجرد ورقة سياسية للضغط بمعزل عن طبيعة انتهاكاتها ودورها المضر والتخريبي في المنطقة والأذى الذي تبثه على حلفاء الولايات المتحدة.

ولفت إلى أن إدارة بايدن تسير على ذات النهج الذي سارت عليه إدارة أوباما في التسهيل لإيران بورقة الحوثي، ومنحها الضوء الأخضر للتمدد في جنوب الجزيرة العربية، لذلك تعود الآن إلى نفس الدور بعد أن أقدمت في أيامها الأولى على إزالة ميليشيا الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية بشكل مفضوح وغير مبرر، بينما تفاوض الآن بالورقة الحوثية في فيينا.

وحول ما رشح مؤخرا من أخبار عن رفع العقوبات عن إيران، ورفع الحظر عنها والاقتراب من العودة إلى الاتفاق النووي، علّق البيل “سيؤثر ذلك بشكل واضح على تناول الولايات المتحدة لورقة الحوثي في صالح إيران وستتغير اللهجة الأميركية المباشرة التي تدين الحوثيين وتحملهم المسؤولية عن عرقلة السلام في اليمن”.

وتابع “المؤكد أن الإدارة الأميركية ليست حريصة على السلام في اليمن كما بدت تصريحات بايدن أو مسؤوليها تجاه المشكلة اليمنية من ناحية إنسانية، والأمر لا يعدو كونه يتعلق بمناورة سياسية تجريها هذه الإدارة في اللعب بالورقة الحوثية بين إيران من جهة شدا وتراخيا، وبين السعودية ودول التحالف من جهة أخرى، كنوع من امتصاص الغضب والادعاء بالوقوف إلى جانب قيم السلام وضد تخريب أمن المنطقة”.

زر الذهاب إلى الأعلى