الحوثيون يدفنون السلام ومؤشرات دولية لتصنيفهم جماعة إرهابية

وصف مجلس الأمن الدولي، الجمعة 21 يناير/كانون الثاني 2022، في بيان إدانته للهجمات التي تعرضت لها الإمارات العربية المتحدة الإثنين 17 يناير/كانون الثاني من هذا الشهر، بأنها “إرهابية” لأول مرة بخصوص الحرب في اليمن، ما يعد تطورًا جديدًا ولهجةً شديدةً ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

ودعا البيان المنشور في موقع الأمم المتحدة، إلى ضرورة محاسبة مرتكبي هذه “الأعمال الإرهابية المشينة” ومنظميها ومموليها ورعاتها وتقديمهم إلى العدالة، وحثوا جميع الدول، وفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، على التعاون بشكل فعال مع حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع السلطات الأخرى ذات الصلة في هذا الصدد.

وجدد أعضاء مجلس الأمن التأكيد على أن أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية وغير مبررة، بغض النظر عن دوافعها وأينما ومتى ارتُكبت وأي كان مرتكبوها.

وأكدوا ضرورة أن تكافح جميع الدول، بجميع الوسائل، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والالتزامات الأخرى بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين الدولي والقانون الإنساني الدولي، التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان عن طريق الأعمال الإرهابية.

بيان مجلس الأمن الدولي شديد اللهجة، جاء بعد ثلاثة أيام من تبنى الحوثيون الهجمات التي استهدفت منشآت إماراتية في أبو ظبي بصواريخ باليستية وطائرات دون طيار، الإثنين 17 يناير/كانون الثاني 2021.

وقالت الجماعة التي رفضت السلام والإغراءات الدولية عام 2021، إنها استخدمت في هجماتها صواريخ باليستية مجنحة وعددًا من الطائرات المسيرة، في تطور جديد للحرب في المنطقة، التي سيدخلها في تصعيد كبير غير محسوب العواقب.

وأعلنت الإمارات مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين، في هجوم أدى إلى انفجار 3 صهاريج وقود في مستودع بمنطقة المصفح، إضافة إلى استهداف منطقة في مطار أبو ظبي الجديد قيد الإنشاء.

لماذا هاجم الحوثيون الإمارات؟
مع نهاية عام 2021، اقترب الحوثيون أكثر من حسم المعركة في شمال اليمن لصالحهم، والسيطرة عليها بشكل كامل، بعد أن توغلوا في مركز محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز وآخر معاقل الحكومة الشرعية في الشمال اليمني، وبعد أن تجاهلوا لعام كامل الإغراءات والمبادرات الدولية التي قدمت لهم واستجدت السلام منهم.

كان الحوثيون يتقدمون على حساب القوات الحكومية والقبائل اليمنية، بينما كانت القوات المدعومة من الإمارات مقيدةً بفعل اتفاق ستوكهولم (وقع بين الحكومة الشرعية والحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2018 برعاية الأمم المتحدة بشأن الحديدة)، وظلت تراوح مكانها وتدافع عن المكاسب التي حققتها في الساحل الغربي.

غير أن قرار إعادة تموضعها الذي أعلنته في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وتخلت عن تلك المكاسب، حرك الركود العسكري للجانب المناوئ للحوثيين، وهو ما اعتبره محللون حينها مؤشرًا على حسم المعركة مع الحوثيين بضوء أخضر دولي بهدف الضغط على الجماعة حتى تجنح للسلام.

لم يفهم الحوثيون حينها الرسالة، لكن التحالف العربي عزز ذلك برسائل أخرى منها تبنيه سياسية التصعيد الجوي مع نهاية 2021، وكشفه أدلة على تورط حزب الله اللبناني في دعم الحوثيين عسكريًا ولوجستيًا وفنيًا وتورط خبراء من الحزب في تهريب وتصنيع الطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ الباليستية التي تستخدم في استهداف الأراضي السعودية.

وعمد التحالف إلى نشر مثل تلك الأدلة، كرسالة إلى الأمم المتحدة، أنها ساهمت في تأجيل الحسم وإنهاء الحرب في اليمن حينما تدخلت وأوقفت تحرير الحديدة، الذي قال إنه حق أصيل للحكومة اليمنية الشرعية، لكن ذلك ما زاد الحوثي إلا تكبرًا وغرورًا.

بدأت القوات اليمنية التي دربتها ودعمتها الإمارات العربية المتحدة، إلى الانتقال من مسرح العمليات القديمة في الساحل الغربي، إلى الساحل الشرقي، حيث المحافظة التي يسيطر الحوثي على ثلاث مديريات في حدودها الغربية مع محافظتي البيضاء ومأرب، وهو ما كنا قد توقعناه في موضوع سابق نشره نون بوست.

حققت تلك القوات انتصارات سريعة وغير متوقعة وسط انهيار حوثي سريع، ما أربك الحوثيين والإيرانيين الذين تحركوا سريعًا إلى إيران وقطر، للترويج لمبادرة إيرانية لوقف الحرب في اليمن، تهدف طهران لمنح الحوثيين فرصة لإعادة لملمة صفوفهم كما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2018.

يبدو أن مكاسب قوات العمالقة الجنوبية غرب مأرب، أشعلت حماس القوات الحكومية والقبائل اليمنية في جنوب مأرب، وأطلقت هي الأخرى عملية عسكرية تمكنت من خلالها استعادة مناطق حاكمة وإستراتيجية مهمة، درأت الخطر على مركز المحافظة الذي أوشك على السقوط.

يرى الحوثيون أن إخفاقهم في مأرب وشبوة، بسبب ألوية العمالقة التي دفعت بها الإمارات العربية المتحدة، وهي من تسببت بالهزيمة، ويخشون أن تكون هذه العملية كالعملية التي أطلقها التحالف العربي في 2016 ووصلت القوات الحكومية إلى مشارف العاصمة صنعاء قبل أن تتدخل الأمم المتحدة وتوقف ذلك التقدم بهدف منح فرصة لعملية سلام شاملة.

في هذه الأثناء كان محمد عبد السلام يناقش في لقائه مع الرئيس الإيراني وكذلك الأمين العام للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، كما أعلن حينها، مستجدات الوضع في اليمن، لكن رئيس الوفد التفاوضي الحوثي، هدد من إيران بضرب الإمارات، وهو ذات اليوم الذي أعلنت فيه جماعته تبنيها هجمات مطار أبو ظبي ومنشأة نفطية.

يبدو أن القرار اتخذ في طهران، وكانت إيران تسعى من خلال مهاجمة الإمارات وتبني الحوثيين ذلك، إلى تحذيرها للابتعاد عن معركة السيطرة على المحافظات الغنية بالطاقة في اليمن، حيث ثارت ثائرة الجماعة جراء خسائر هي الأكبر منذ سنوات.

وربما ربط الحوثيون ذلك بما سربه إعلامه والإعلام الموالي لهم، بهجمات مماثلة غير معلنة في 2018 على مطار أبو ظبي، الذي قالوا إنه سبب وقف تحرير الحديدة، بعد أن ضغطت الجماعة على الإمارات التي فضلت مصالحها الاقتصادية على أمن المنطقة القومي، وفقًا لوجهة النظر الحوثية.

حسابات خاطئة
يبدو أن الحوثيين أو من أمرهم بذلك (إيران)، لم يقرأوا ردود الفعل الدولية، واكتفوا بقراءة ذلك من زاوية واحدة، وهو خوف الإمارات، دون أن يفرقوا بين 2018 و2022، لا سيما أن العالم حاول بكل السبل إرضاء الحوثيين بهدف القبول بوقف إطلاق النار لكنهم رفضوا كل الإغراءات التي قدمت لهم.

لم يحسب الحوثي لتصريحات التحالف العربي والأدلة التي عرضها أن الحرب في اليمن لم تعد مسألة انقلاب جماعة على سلطة شرعية، وإنما أصبحت بين محور إيراني وعربي، وهي تهدد الأمن العربي بشكل كامل، لا سيما بعد تسريبات وجود إيرانيين وخبراء في حزب الله يرسمون الخطط العسكرية ويقودون معارك في اليمن، ويتحدثون أن مشروعهم أكثر من أنها مجرد حرب في اليمن.

لم يفهم الحوثيون، صمت المجتمع الدولي، حتى مع عودة طيران التحالف العربي إلى سماء صنعاء خلال الفترة الأخيرة بعد توقف دام لأكثر من عام، دون أن تتدخل أمريكا أو بريطانيا أو الدول الداعية لوقف الحرب أو ساهمت في إبرام اتفاق ستوكهولم، والدعوة إلى وقف التصعيد، ورغم ذلك، نفذ الحوثيين ضربتهم التي سوف تتسبب بهزيمتهم.

جاءت نتيجة الضربة الحوثية مخالفة لتوقعاتهم، ومن الأرجح أن تكون العواقب أكثر من مجرد بيان، يصفها فيه مجلس الأمن الدولي بأنها هجمات إرهابية، بل سيكون لها مآلات قاسية.

زيادة خطر الحوثيين
الهجوم الحوثي، أحرج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي حرص على إزالة جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب سعيًا منه لإنهاء الحرب في اليمن بالطرق الدبلوماسية، وفي نفس الوقت عزز حجة السعوديين والإماراتيين بأن النهج الأمريكي تجاه الذراع الإيرانية في اليمن لم يتمخض إلا عن تقوية شوكة الحوثيين.

وما حصل من أحداث جديدة، يدل على تعاظم خطر جماعة الحوثي منذ اتفاق ستوكهولم، فبعد أن كان خطرها يهدد اليمنيين، ويجبرهم على التشييع بالمذهب الإثنى عشري الإيراني، بدأت توسع ذلك الإرهاب تدريجيًا، وتهدد الجوار السعودي، والمجتمع العربي يعتبرها مجرد ردة فعل لن تزيد أكثر من ذلك.

وسع الحوثيون من أعمالهم الإرهابية ليشمل نشر الألغام البحرية وإرسال الزوارق المفخخة بهدف إرباك الممر الملاحي الدولي، ويظن الحوثيون أن ذلك سيجعل المجتمع الدولي يمارس ضغوطًا كبيرةً على السعودية بالتخلي عن دعم الحكومة الشرعية مقابل أن يضمن الحوثيون أمن الممر الملاحي الدولي.

ومع الصمت الدولي وعدم اتخاذه موقفًا رادعًا ضد التهديد الإرهابي للممر الإقليمي، تشجع الحوثيون في التمادي أكثر وخاضوا تجربةً جديدةً في قرصنة سفينة الشحن الإماراتية التي كانت تحمل معدات مستشفى ميداني تابع للقوات الملكية السعودية، وفقًا لما أعلنه التحالف العربي.

وهذه العملية هي الأخرى لم تلق صدى دوليًا واسعًا رغم خطورتها، وهو ما شجع الحوثيون أكثر، وعملوا على تنفيذ تلك الضربة على الإمارات، ما يؤكد خطأ الموقف الدولي في التعامل مع الأزمة اليمنية.

ما بعد هجوم أبو ظبي
من الواضح أن الحوثي خسر تعاطف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تحدث بأن إعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية قيد المراجعة، وإن كنت أظن أن ذلك من باب محاولة أخيرة للضغط على الحوثيين بهدف إقناعهم بالجلوس على طاولة المفاوضات، لكنه لم يفلح في هذه خصوصًا بعدما قدم لهم خدمات وإغراءات كبيرة مع المجتمع الدولي في العام المنصرم.

في المقابل ستتحرك الإمارات دبلوماسيًا وستعمل على تجريد الحوثيين من أي تعاطف دولي ونزع الصفة السياسية عنهم، وترسيخ القناعة العالمية بأنهم الطرف الرافض لإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية الممتدة منذ نحو سبع سنوات، فرغم كل ما يقوم به الحوثي من تعدٍ على القانون الدولي وزعزعة استقرار المنطقة ورفضهم للحلول السياسية، فإن المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة ما زالت تتعامل معهم باعتبارهم طرفًا سياسيًا وسلطة أمر واقع رغم كل الفشل الذي تحقق في جولات السلام التي قادتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية.

وإن نجحت في مسعاها عبر خلق إجماع دولي رافض لسلوك الحوثي وتصرفاتهم العدوانية ونزع أي مشروعية عنهم، ستوجه ضربة موجعة ونوعية للجماعة الموالية لإيران قد ترسم من خلالها ملامح سيناريو إنهاء الأزمة اليمنية.

ويبدو أنها نجحت في أول تحرك على المستوى الدولي، إذ انتزعت بيانًا من مجلس الأمن الدولي الذي وصف تلك الهجمات بالإرهابية، معتبرًا أنها أعمال إرهابية وتهديدات تعرض السلم والأمن الدوليان للخطر، يجب على الدول أن تكافحه بجميع الوسائل.

بعد هذا البيان لا يحتاج مجلس الأمن الدولي أن يصنف الحوثيين بالجماعة الإرهابية، بل اعتبرها بالفعل كذلك، ودعا المجتمع الدولي لمحاسبة مرتكبي هذه “الأعمال الإرهابية المشينة” ومنظميها ومموليها ورعاتها وتقديمهم إلى العدالة، وفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

يتناغم بيان مجلس الأمن الأخير مع المواد 42 و43 و44 من ميثاق الأمم المتحدة (الفصل السابع) الذي أدرج اليمن فيه منذ أبريل/نيسان 2015، وهو ما يعني أن المجتمع الدولي حسم أمر إنهاء الحرب بالحسم العسكري وفقًا للقانون الدولي.

بعد أن انتزعت الإمارات العربية المتحدة تعاطفًا دوليًا واعترافًا أمميًا أن الحوثيين جماعة إرهابية، ستعود إلى جامعة الدول العربية بهدف حشد طاقات أخرى لإعادة زخم التحالف العربي وتقويته، بهدف القضاء على الإرهاب الجديد الذي بات يهدد الجميع، ولن تجد صعوبة في التفاف عربي حولها مع المملكة العربية السعودية لإنهاء الإرهاب الذي يهدد الأمن والاستقرار الدولي وفقًا لما وصفه بيان مجلس الأمن الدولي.

بالتأكيد، سيدفع الحوثي الثمن باهظًا لرفضه السلام وسيكلفه ذلك كثيرًا، ولا أمامه مجال إلا الاستسلام والتخلي عن مشروعه الإرهابي والكف عن توسيع الأرض للمد الإيراني في المنطقة العربية، إن أراد أن يكون مساهمًا في الحياة السياسية اليمنية وأن يكون مكون مثله مثل المكونات اليمنية الأخرى، والبديل هو القضاء عليه وإزالته من الجسد اليمني عبر عملية عسكرية يصعب عليه مواجهتها.


الكاتب| محمود الطاهر- عن نون بوست

زر الذهاب إلى الأعلى