هل يكتفي الحوثي بهدية مأرب ويقبل بالسلام.. أم يجعلها بوابة نحو السعودية؟

يدفع اليمنيون وعلى رأسهم الحكومة الشرعية، ثمن تقاعسهم في دعم الانتفاضة الشعبية المسلحة التي اندلعت في البيضاء (جنوب شرق) بداية يوليو/ تموز 2021، وحققت نجاحًا منقطع النظير، قبل أن تتخلى عنها الحكومة وتتركها لقمة سائغة أمام الآلة العسكرية الضخمة للحوثيين التي اجتاحت المنطقة وسيطرت عليها.

البيضاء محافظة استراتيجية تتوسّط 8 محافظات يمنية شمالية وجنوبية، ومن يسيطر عليها يستطيع أن يفتعل معركة في أي وقت ومكان بهدف المناورة، وفي الوقت نفسه تحيط بها 4 محافظات جنوبية تسيطر عليها الشرعية اليمنية، بإمكان الحكومة اليمنية حصارها والضغط على الحوثيين بالتراجع، إن أرادت ذلك.

لكن الحوثيين استغلوا الخلافات الداخلية في الصف اليمني المناوئ لهم، والضغوط الدولية على التحالف العربي، وعدم التحرك العسكري اليمني لاستعادة الأراضي المحتلة، والضعف الشديد لدى الدبلوماسية والحكومة اليمنية التي تحولت إلى مجموعة من النشطاء الحقوقيين للمطالبة بالسلام ووقف الحرب، وحشدت أبناء محافظة البيضاء وذمار، واتجهت نحو محافظة شبوة النفطية والمطلة على البحر العربي.

كان التوقيت الحوثي في الاندفاع نحو أول محافظة جنوبية (شبوة) يتزامن مع احتفالهم بذكرى اجتياحهم العاصمة صنعاء والانقلاب على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وخلال ذلك سيطروا على 3 مديريات (بيحان، عسيلان، عين) والأخيرة في الحدود الإدارية لمحافظة مأرب النفطية وآخر معاقل الحكومة الشرعية في الشمال.

تكتيك حوثي
من الواضح أن الحوثيين لا يوجد لديهم خطة في الوقت الحالي للتقدم أكثر نحو محافظة شبوة (شرق)، وتوسيع نطاق المعارك التي ستكون بالتأكيد عبئًا عليهم، وستكون نتائجها عكسية، وسيتعرضون لاستنزاف بشري وعسكري كبير، يليها هزيمة عسكرية، إذا ما عزمت القوات الحكومية التغيير من تكتيك الدفاع إلى الهجوم، والتوغُّل في مناطق تخضع لسيطرة الحوثيين.

كان من الواضح أن الحوثيين يسعون لتطويق محافظة مأرب من أقصى الشمال الغربي إلى أقصى الجنوب الشرقي للمحافظة، بهدف حصارها واجتياحها قبل الانتقال إلى أي محافظة أخرى، وهو ما بات واضحًا من خلال توقفهم عند عسيلان وعين وبيحان غرب محافظة شبوة، وتغيير سير معاركهم مع الحدود الإدارية لمحافظة البيضاء ومأرب وشبوة، وخصوصًا حريب والجوبة القريبتَين جدًّا من مركز محافظة مأرب والمدينة.

تمكّن الحوثيون من السيطرة على مديرية حريب مأرب وفرضوا حصارًا خانقًا على قبائل العبدية بهدف إسقاطها، ومن ثم التحرك نحو الجوبة، وبسقوط الجوبة تكون محافظة مأرب رسميًّا تحت سيطرة الحوثيين، لكونها تبعد بعض الكيلومترات عن المدينة ومركز المحافظة.

مأرب في خطر
أصبحت مأرب في خطر أكبر من أي وقت مضى نتيجة لتصعيد الحوثي المستمر عليها، وسط تحركات أمريكية ودولية للضغط على التحالف العربي والحكومة اليمنية لوقف الحرب، دون أن يكون هناك تحرُّك وضغط من قبل المجتمع الدولي للضغط على الحوثيين، وعدم تعريض أكثر من 5 ملايين لاجئ في المحافظة للخطر.

ومنذ أن توقفت الحرب عام 2018، وخضعت الحكومة اليمنية والتحالف العربي للضغوط الدولية لإفساح ما قالوا عنه مجالًا للسلام، استطاع الحوثيين الذين كانوا محاصرين في صنعاء أن يتخلصوا من الحصار المفروض عليهم، ويطردوا القوات الحكومية من نهم التابعة إداريًّا لمحافظة صنعاء، ومن ثم انتقلوا إلى محافظة الجوف، واجتياح محافظة البيضاء، والسيطرة على أكثر من 10 مديريات تابعة لمحافظة مأرب، دون تحرك حقيقي من الحكومة اليمنية أو التحالف العربي لوقف تقدم الحوثيين.

تفسير الموقف الدولي والصمت الحكومي، والنشوة الحوثية، وعدم خضوعها للضغوط الدولية، يثير العديد من علامات الاستفهام، إن كان ما يحدث استكمالًا لما فهمه الحوثيون أنه ضوء أخضر أمريكي من شطب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية، أم تدليلًا لها حتى تقبل الجلوس مع المجتمع الدولي لسماع مقترحاتها حول العودة إلى طاولة الحوار، أم أن مأرب هدية المجتمع الدولي للحوثيين من أجل موافقتهم على الجنح للسلام؟

تساؤلات منطقية سنحاول فكّ لغزها بقراءة الأفعال الحوثية وموقف الحكومة اليمنية، والتحالف العربي، والمبعوثَين الأمريكي والدولي إلى اليمن، والمبادرات التي قدمتها السعودية وكذا الحوثيون، في السطور التالية.

تصعيد حوثي وصمت دولي
في 10 سبتمبر/ أيلول 2021، قال المبعوث الدولي الجديدة إلى اليمن، هانز غروندبيرغ، في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، إنه لن يكون من السهل تسيير استئناف عملية انتقال سياسي سلمية ومنظَّمة وتشمل الجميع، ولن تكون هناك مكاسب سريعة، وأنه سيحاول تقييم أسباب فشل المبعوثين السابقين في إحلال السلام، وأنه عازم على إنهاء الحرب المعقّدة في اليمن بأي وسيلة.

ردَّ الحوثيون صبيحة اليوم التالي من حديث غروندبيرغ بقصف ميناء المخا، أقدم موانئ الجزيرة العربية، بعد أن تمَّ إعادة تأهيله والإعلان عن افتتاحه، بهدف تخفيف معاناة المحافظات الوسطى في اليمن، وخصوصًا محافظة تعز المحاصرة.

وقبل ذلك، وتحديدًا في 29 أغسطس/ آب 2021، أي قبلها بحوالي 12 يومًا، استهدف الحوثيون أكبر قاعدة عسكرية جوية في اليمن (العند)، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، ومن ثم بعد ذلك بدأ الحوثيون في تنفيذ الإعدام بحقّ مدنيين، بعد أن لفّقت لهم تهمًا كيدية، ومن ثم استهداف السعودية بشكل شبه يومي، ومأرب بطيران مسيّر وصواريخ بالستية، دون أن يتحدث المبعوث الأممي أو الأمريكي عن ذلك، أو على أقلّ تقدير إدانة تلك الأفعال الحوثية، لا سيما أنها تستهدف المنشآت المدنية وتعرّض الأطفال والنساء للخطر.

في المقابل، سرّبَ الحوثيون معلومات إلى وكالة “أسوشيتد برس” أن التحالف أغار على منطقة في محافظة شبوة وتسبّب في مقتل مدنيين، وهو أمر نفاه التحالف، بل طالبَ بمعلومات إضافية من الأمم المتحدة التي أدانت تلك الغارة، دون أن تدين ما يقوم به الحوثيون بشكل يومي من قصف متعمَّد للأحياء السكنية والمدنية، وهنا تتلخّص هذه المفارقة: إن المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية قدمتا التزامات بعدم الرد على التصعيد الحوثي، بهدف إفساح المجال للمجتمع الدولي لإحلال السلام.

الأمر الآخر، قدمت المملكة العربية السعودية في 22 مارس/ آذار 2021، مبادرة قالت إنها تهدف لوقف شامل لإطلاق النار في اليمن، ورحّب بها المبعوث الأمريكي والأمم المتحدة، ورفضتها إيران والحوثي، اللذين ردّا عليها بـ”مبادرة مأرب“، مطالبين بتسليم المحافظة قبل الحديث عن أي وقف لإطلاق النار أو عملية سياسية.

حاولت سلطنة عمان وكذا المبعوث الأمريكي تيموثي ليندركينغ، والمبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث، والاتحاد الأوروبي، إقناع الحوثيين باغتنام هذه الفرصة لوقف الحرب في البلاد التي تسبّبت في أزمة إنسانية كارثية؛ إلا أن الحوثيين رفضوا ذلك قطعًا، وطالبوا صراحة بإعلان التحالف العربي فشله في الحرب، وتعويض الحوثيين، والتخلي عن الحكومة اليمنية، ولم يكن ذلك الشرط لولا الموقف السعودي الأخير الذي بدأ بالخضوع للضغوط الدولية، رغم أن الحرب في اليمن مصيرية للنظام الملكي السعودي.

وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2021، اجتمع المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبيرغ مع رئيس الوفد الحوثي التفاوضي في سلطنة عمان، معلنًا له التزامه بالعمل مع الأطراف سعيًا نحو تسوية سياسية شاملة للنزاع في اليمن، وفقًا لبيان نشره موقع الأمم المتحدة على الإنترنت.

في اليوم التالي، شنَّ الحوثيون هجومًا هو الأكبر من نوعه على محافظة شبوة (شرق) ومأرب (شمال شرق)، وتمكّنوا من السيطرة على الكثير من المديريات، دون ردٍّ من قبل الحكومة اليمنية، سواء الحديث بالتصريحات أو إدانات التصعيد الحوثي كما اعتاد مسؤولوها على ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، أو رفض المجتمع دولي الذي فضّل الصمت، على عكس تحركاته السابقة حيث كان يهدد ويضاعف الضغوط على الحوثيين، وقبل ذلك فعلها مع الحكومة اليمنية عندما اقتربت من تحرير موانئ الحديدة في نهاية العام 2018.

مؤامرة دبّرت بليل
المواطن العادي، أو الشاهد لمجريات الأمور، سيفهم من ذلك أن المجتمع الدولي يريد أن يدلل الحوثيين، بهدف إرضائهم من أجل القبول بإنهاء الحرب، وإن كانت تكلفة ذلك تسليمهم محافظة مأرب النفطية، خصوصًا في ظل العجز والفشل الحكومي في توفير الخدمات والسيطرة على الانهيار الاقتصادي في المناطق المحررة.

لكنه في الوقت نفسه يواصل الحوثيون فهم ذلك بطريقتهم أنه ضوء أخضر دولي، واستغلال ذلك في اجتياح المحافظة تلو الأخرى، إلى حين استكمال السيطرة على الشمال بشكل كامل قبل أن يعيد ترتيب الصفوف والاستعداد لمحافظات الجنوب، تمهيدًا للتحرك نحو المملكة العربية السعودية، وفي كلتا الحالتين يشير اكتفاء الحوثيين بـ 3 مديريات من محافظة شبوة (ضمن المحافظات الجنوبية) والتوجُّه نحو مأرب (ضمن المحافظات الشمالية)، إلى أن هناك مؤامرة دبّرت بليل.

هنا يأتي سؤالان آخران، هل يكتفي الحوثيون بهدية مأرب من قبل المجتمع الدولي؟ وبعد أن يتمَّ السيطرة عليها هل سيتوقف ويقبل بالمبادرات الدولية والسعودية، ولن يتحرك نحو المحافظات الجنوبية؟

مجرد اقتضام الحوثي لـ 3 مديريات من محافظة شبوة، لا يشير إلى أنه سيكتفي بمأرب، ولن يقبل أي مبادرات دولية بهدف وقف الحرب، لأنه سيكون منتشيًا بالنصر، وسيعدّ العدّة لمحافظة شبوة، ومن ثم محافظة حضرموت، وبعد ذلك سيتوقف هناك ويعود إلى الضالع وأبين، ومن ثم تعز والساحل الغربي، وآخرها عدن التي ستنهار مجرد انهيار المحافظات المحيطة بها.

حتى لو سيطر الحوثي على كل اليمن، لن يعمّ السلام فيها، ولن تتوقف الحرب، سيكون هناك مقاومة داخلية كبيرة رافضة للفكر الحوثي، وسيكون هناك تصفيات كبيرة لأصحاب الفكر السنّي من قبل الحوثيين، ومن ثم قمع للحريات، وفتح المعتقلات السياسية، وحينما ينتهي الحوثي من كل ذلك سيتّجه نحو المملكة العربية السعودية، ليس بالقوة التي يفهمها البعض، ولكن بالطريقة نفسها التي أسقطت بها إيران اليمن.

سيشجّعون الشيعة في المناطق الشرقية (الحدودية مع البحرين) والجنوبية الحدودية مع اليمن والشمالية (الحدودية مع العراق)، من ثم تكوين جماعات مسلحة، ودعمها بالسلاح والأفكار، كما حدث مع الحوثيين، ثم إرهاق السعودية من الداخل، حتى يتم تحقيق ما خطّطته إيران منذ سنين طويلة في السيطرة على مكة والمدينة المنورة، وهذه الجزئية تحتاج إلى قراءة أدق، لا سيما أن الحوثيين بدأوا في تدريب مجموعات خاصة على مثل ذلك، وإرسالها إلى السعودية عن طريق منفذ العراق.

خلاصة
وجد المجتمع الدولي هشاشة في العمل السياسي للحكومة اليمنية، بعد أن تحول الوزراء لنشطاء حقوقيين على وسائل التواصل الاجتماعي، يطالبون بالسلام لا بدولة، ولا يوجد لديهم العزيمة وإرادة القتال في استعادة أرضهم المسلوبة، فييجري التعامل معه على هذا الأساس.

في النهاية، لن يعترف المجتمع الدولي إلا بمن يسيطر على الأرض، ويعتبر التحركات الحكومية ومطالباتها دون أن تفرض شروطها في الميدان مجرد دعوات ومطالب حقوقية، تذهب مع الوقت أدراج الرياح.

لن يتوقف الحوثيون ولن يجلسوا على طاولة السلام ما لم يكن هناك موقف حكومي رادع وقوة عسكرية حقيقية ووطنية على الأرض والقتال لاستعادة المناطق المسلوبة على مبدأ “ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بها”، فإيران أوجدت المشروع الحوثي كمشروع عابر للقارات، نظام ليس في برمجته “سلام”، ولن يتوقف في اليمن وحسب، بل يفكّر بالدول المحيطة بها، خصوصًا السعودية، فهل يعي مشروع التحالف العربي ذلك قبل فوات الأوان؟


الكاتب: محمود الطاهر

• نقلًا عن نون بوست

زر الذهاب إلى الأعلى