سياسيون يمنيون يتهمون الحوثيين بالتملص من «المبادرة السعودية»

تتمسك الميليشيات الحوثية بموقفها المناور من المبادرة السعودية الأخيرة بخصوص التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار والشروع في مفاوضات سياسية لإنهاء الحرب، وفق مصادر حكومية يمنية قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة تسعى إلى تجزئة المبادرة بناء على تعليمات إيرانية.

وتتمثل التجزئة في «فصل الجوانب الإنسانية والاقتصادية بعيداً عن الجوانب السياسية والعسكرية»، وهو الموقف الذي أصاب المبعوثين الأميركي تيموثي ليندركينغ والأممي مارتن غريفيث بخيبة أمل حتى اللحظة الراهنة، بحسب المصادر نفسها.

الأجواء اليمنية السياسية تشهد شكوكاً حيال إمكانية أن تسفر المساعي الأممية والأميركية عن نتائج إيجابية قريبة.
وتشترط الجماعة المدعومة من إيران وفق المصادر فتح مطار صنعاء لوجهات غير محددة؛ منها بيروت وطهران ودمشق ومسقط، بينما توافق الشرعية على فتحه إلى الوجهات التي يعمل فيها حالياً الطيران اليمني الرسمي، كما تشترط الجماعة رفع القيود عن موانئ الحديدة بما يمكنها من تهريب الأسلحة والسطو على عائدات استيراد الوقود والبضائع بعيداً عن الحكومة اليمنية المعترف بها.

وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أعلن في 22 مارس (آذار) الماضي، من الرياض مبادرة لإنهاء الأزمة في اليمن للوصول إلى اتفاق سياسي شامل، تتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة.
كما تضمنت المبادرة إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
تفاؤل وشكوك
منذ إعلان المبادرة السعودية وبدء التحركات الأميركية والأممية في ضوئها، حرص الحوثيون على تصعيد هجماتهم العسكرية الجوية والبرية، في حين شككت الحكومة الشرعية في جدية الجماعة نحو السلام والوصول إلى تسوية لإيقاف الحرب.

وكانت سلطنة عمان أعلنت في بيان رسمي سابق أنها تأمل في تحقيق نتائج مرجوة لمساعيها في القريب العاجل، وقالت إنها «مستمرة في العمل عن كثب مع المملكة العربية السعودية والمبعوثين الأممي والأميركي الخاصين باليمن والأطراف اليمنية المعنية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة القائمة في الجمهورية اليمنية». ورغم التفاؤل الأممي والدولي بحدوث اختراق، تسود في الشارع السياسي اليمني شكوك بعدم جدية الحوثيين في الموافقة على المبادرة السعودية أو السعي لوقف الحرب والهجمات الصاروخية على الأعيان المدنية في اليمن ومناطق المملكة.

عبد الملك المخلافي وهو مستشار الرئيس اليمني ووزير الخارجية الأسبق، اتهم الحوثي بأنه «يمارس الابتزاز بالمعاناة الإنسانية، لكنه لا يقبل حلها إنسانياً، وإنما يطالب بحل سياسي يحقق أهدافه السياسية والعسكرية والمالية».
وقال المخلافي في سلسلة تغريدات على «تويتر» إن «السلام يعني الاستعداد لإيقاف الحرب والتسويات والتنازلات والمشاركة، والتخلي عن المشاريع الأحادية والعنصرية ولغة القوة، والحرص على حياة الناس ومصالحهم ومستقبلهم، وليس الرغبة في استمرار مرار الحرب أو تحقيق أهدافها بوسائل أخرى».

وأشار مستشار الرئيس اليمني إلى أن الحوثي «يعتقد أنه سيحصل على مكافأة على ما قام به من دمار في اليمن، ومن ذلك أن يحصل على وضع في مطار صنعاء أفضل حتى من الوضع في مطار عدن، وأن يسمح له بتسيير رحلات إلى وجهات يمكن أن تستخدم عسكرياً، وهو ما يدل على أنه لا يريد فتح المطار للتخفيف على المواطنين، وإنما خدمة لأهداف مشبوهة».

من جهته، أطلق محمد عبد السلام فليتة المتحدث باسم الجماعة الحوثية والمسؤول الفعلي عن خارجيتها والمقيم في سلطنة عمان تصريحات فهم منها رفض الجماعة للمساعي الأممية والأميركية.

وزعم فليتة في تغريدة على «تويتر» أنه «لا مكان لأنصاف الحلول فيما يتعلق بالوضع الإنساني»، وأن موقف جماعته لن يقبل «إخضاعه لأي مقايضة بالمطلق»، في إشارة إلى سعي جماعته لتجزئة المبادرة السعودية لتنفيذ الشق الإنساني والمراوغة بشأن الملفين العسكري والسياسي.

استراتيجة إيرانية
«ينبغي إدراك أن استراتيجية إيران للحوثي ليست مجرد إيصاله إلى تسوية وتقاسم السلطة والتخلي عن السلاح والتحول لفصيل سياسي»، يقول الباحث السياسي والأكاديمي اليمني الدكتور فارس البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن إيران «تريده قوة عسكرية تتمدد تباعاً وتشعل الحرائق لتحقق بها ضغوطها ومقايضاتها من جهة وتسيطر على المنطقة من جهة ثانية، ومن هذه الحقيقة ندرك مستقبل التفاوضات جميعها مع الحوثي».

وفي حين يؤكد البيل أن المبادرة السعودية «أحرجت هذه النيات وحشرت إيران والحوثي في زاوية ضيقة وأزالت تعللاتهم»، أشار إلى أن «سياسة إيران المعهودة من خلال الحوثي هي القبول بالتفاوض بعد تلكؤ لتجنب المسارات الأخرى، ومن ثم التعنت والمماطلة ثم الوصول إلى عدم التنفيذ مطلقاً وكسب الوقت».

من هاتين النقطتين – يرى البيل – أنه «يمكن التنبؤ بمستقبل السلام في اليمن، الذي لن يتأتى إذا استمرت أدوات المجتمع الدولي على هذه الآليات وبالخيارات نفسها»، لأن الحوثي – بحسب تعبيره، «لن يذهب إلى تسوية ويتخلى عن مهمته، كما أنه لن يرفض أي تفاوض لكنه لن ينفذه»، متابعاً: «ما لم تستوعب جهود المجتمع الدولي هاتين الحقيقتين وتهندس مسارات السلام بناء على إدراكهما، فإن كل الجهود ستعود لنقطة الصفر دائماً، ولن نرى سلاماً حقيقياً قريباً في اليمن».

ويقترح الباحث اليمني لـ«تفكيك هاتين المعضلتين» كما يصفهما، بأنه «يجب البدء بجذر المشكلة، وقطع الغايات التي تريد إيران الوصول إليها، وإفقادها فرص اللعب بهذه الأذرع، والضغط الحقيقي على ميليشيا الحوثي بناء على أسس الحل في اليمن بالقرارات الأممية». ويضيف: «هناك من الأدوات والوسائل الحقيقية والجادة التي يمكن للمجتمع الدولي فرضها إذا أراد نجاة اليمنيين من هذه الكارثة الإنسانية، أما السلام الهش والمنقوص وغير الشامل فليس سوى محطة لحروب مقبلة تشعلها إيران ووقودها اليمنيون».

أرضية لم تتهيأ
يعتقد الكاتب اليمني أحمد عباس أنه حتى لو استمرت المفاوضات والتصريحات المتبادلة «فلا أمل من وجهة نظره بإحراز أي تقدم»، لأن قرار الحوثيين مصادر وليس بأيديهم، بحسب تعبيره. ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تركيز إيران في الوقت الراهن منصب على ملف المفاوضات حول برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ وملفات أخرى، وأعتقد أنهم يريدون جعل ملف الميليشيا ملفاً للمساومة عليه لإحراز مكاسب في بقية الملفات».

ويدلل عباس بأن «ما تسرب من معلومات بأن الحوثيين في مسقط يرفضون الخوض في أي تفاصيل أو الشروع في المفاوضات قبل سيطرتهم على مأرب لتقوية موقفهم في المفاوضات هو دليل آخر على عدم جدية الميليشيا في هذه المشاورات».

ويجزم الكاتب اليمني أن «المماطلة والتسويف والاشتراطات المسبقة تأتي دائماً من جانب الميليشيا الحوثية، إذ إن طائراتهم المسيرة وصواريخهم العبثية لم تتوقف سواء باستهداف المدنيين في مأرب التي تؤوي ملايين النازحين أو ضد الأعيان المدنية في السعودية».

ويعتقد عباس أن «السلام لا بد له من أرضية تمهد للوصول إليه، وأن هذه الأرضية غير موجودة وغير مهيأة»، لأن الميليشيا الحوثية كما يصفها «حركة لا تؤمن بالسلام ولا بالشراكة، فهي تستند إلى أفكار فاشستية ماضوية تؤمن بالتميز العرقي وبأن لديها مهمة سماوية لا بد من أن توصلها عبر القتل والدمار ونشر الخراب»، بحسب قوله.

نقلاً عن ” الشرق الأوسط”

زر الذهاب إلى الأعلى