«أجواء فاجعة كينيدي» تخيم على واشنطن في ليلة تنصيب بايدن
تشابه كبير يبلغ حد التطابق بين الظروف التي سبقت تولي الرئيس الأميركي الـ35، جون كينيدي، وصولا إلى اغتياله، والظروف الحالية التي تعيشها الولايات المتحدة قبل أيام من تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي يحمل الرقم 46.
وتولى كينيدي السلطة عام 1960، في ذروة نشاط ما عرف حينها بـ”حركة الحقوق المدنية”، التي كانت تسعى لانتزع حقوق المواطنين الأميركيين من أصول إفريقية وإنهاء الإجحاف بحقهم، وتحقيق المساواة مع المواطنين البيض.
وكانت الولايات المتحدة تعيش حالة استقطاب بين الحركة الحقوق المدنية وأنصارها من جهة، وأنصار التمييز العنصري الذي كان قانونيا حينها.
انقسام حاد
وتعيش “بلاد العم سام” حاليا حالة انقسام شبيهة في تلك التي كانت في عهد كينيدي، إذ هناك انقساما حادا على المستويين السياسي والعرقي.
وبرز ذلك خلال الأحداث التي مقتل جورج فلويد وجايكوب بليك، إذ انفجرت موجة احتجاجات قادتها حركة “حياة السود مهمة”، ضد عنف الشرطة الأميركية والعنصرية.
لكن آخرين من بينهم الرئيس دونالد ترامب ومؤيديه من جماعات اليمين، الذين وقفوا إلى جانب الشرطة، وتطور الأمر إلى اشتباكات بين بعض هذه الاجتماعات وأنصار حركة “حياة السود مهمة”.
ومن الصحيح القول إن نضال حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ظلت مستمرة، وبرزت بشكل كبير في 2020، عام الانتخابات، التي يعدها البعض الأهم في تاريخ الولايات المتحدة.
وبذل بايدن جهودا كبيرة نحو استقطاب الناخبين السود، وأبدا دعما صريحا لحركة “حياة السود مهمة”، في مقابل هجوم ترامب على هذه الحركة.
وقال بايدن في خطاب الانتصار إنه سيسعى إلى “مداوة الجراح في أميركا”، داعيا إلى “إنهاء حالة الشيطنة” في البلاد.
من القول إلى الفعل
وحتى بعد فوز بايدن، بدا أن الانقسام شديد في البلاد خاص أن نسبة التصويت بين الرجلين كانت متقاربة جدا، ولدى معسكر ترامب عشرات الملايين الذين لا يرون أنه هزم.
واستجاب الآلاف منهم لنداء ترامب لمهاجمة الكونغرس، مما أسفر عن أعمال عنف غير مسبوقة في تاريخ البلاد، قتل فيها 5 أشخاص وأصيب العشرات وهزت صورة ديمقراطية أميركا في العالم.
ورأى كثيرون في سياسة الرئيس ترامب مخاطر تهدد النسيج الاجتماعي، ولا سيما السود الذين أعربوا عن خشيتهم من أن يؤدي فوز ترامب بمزيد من التوترات العرقية وربما رفع منسوب التوتر نحو صراعات دامية أكثر نطاقا.
وذكرت وسائل إعلام أميركية أن هناك توقعات بأن تندلع أعمال عنف مشابهة لما حدث في الكونغرس، يوم تنصيب بايدن في الـ 20 من يناير الجاري.
ودعت عمدة العاصمة الأميركية، موريل باوزر، إلى إعلان حالة الطوارئ في واشنطن، يوم التنصيب، بعد تصاعد المخاوف إثر اقتحام الكونغرس.
وقالت إن الموارد التي جرى تخصيصا بشأن حفل التنصيب غير كافية لتوفير بيئة آمنة، وذلك بعد أحداث الكونغرس والتقييمات الاستخبارية.
ولطالما شكلت حادثة اغتيال كينيدي كابوسا لأجهزة الأمن الأميركية، وتسعى جاهدة لمنع تكراره تحت أي شكل.
والتشابه في أن وثائق أميركية كشف عنها مؤخرا قالت إن قاتل كينيدي حصل على ذخيرة من مجموعة يمينية متطرفة، بينما ظهر ظهرت مجموعات مشابهة من اليمين في اقتحام الكونغرس.
واغتيل كينيدي في 22 نوفمبر عام 1963، من إطلاق النار عليه أثناء جولة في مدينة دالاس في مدينة تكساس، وظل الحادث محلا لنظريات المؤامرة، خاصة أن قاتل الرئيس لي هارفي أوزوالد، قتل بعد يومين، على أيدي جاك روبي في مقر للشرطة.
ومما غذى نظريات المؤامرة حينها أن قاتل الرئيس زار الاتحاد السوفيتي، مما دفع كثيرين إلى ربط الأخير بالعملية، إلا أن السلطات خلصت إلى أن لي هارفي، الذي كان يعتنق أفكارا شيوعية، تصرف بمفرده، واعتبرت أن تلك النظريات حاولت هز الثقة بمؤسسات الدولة الأميركية.
واليوم، ظهرت نظرية المؤامرة بشكل كبير، لكن هذه المرة لدى أنصار الرئيس، دونالد ترامب، وتنسب هذه النظرية أدورا لما تقول إنه “الدولة العميقة” في إنجاح بايدن في الانتخابات عنوة، ومما عزز ذلك حديث الرئيس المنتهية ولايته بأن هناك عمليات تزوير واسعة، مما يهز الثقة بمؤسسات الدولة.
العدو نفسه والسلاح مختلف
وعلى الصعيد الدولي، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه وإن كانت التفاصيل مختلفة بعض الشيء، فقد كانت الحرب الباردة حينها في أوجها، ففي عهد كينيدي كان هناك الاتحاد السوفيتي السابق وأزمة الصواريخ الكوبية، أما روسيا فقد استعادت جزءا من قدراتها بعد سنوات من انهيار السوفيتي.
وعوضا عن الصواريخ البالستية، شنت روسيا، كما تتهمها واشنطن، أكبر هجوم إلكتروني على الولايات المتحدة، تضررت منها عشرات المؤسسات الرسمية والخاصة، من بينها وزارتا الدفاع والخارجية، فأدوات الحرب اختلفت عما كانت قبل عقود.
وتعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه سيعاقب روسيا على ما ارتكبته، وقال إن الأمر لن يقتصر على العقوبات.
وكان كينيدي أفضل من غيره في دعم المواطنين السود، لكنه لم يذهب بعيدا في إقرار قوانين عامة تؤكد الحقوق المدنية، لأنه كان يخشى الزعماء الديمقراطيين في الجنوب، ويريد أصواتهم في انتخابات عام 1964، وكان هؤلاء من مؤيدي الفصل العنصري، خاصة أنه فاز بفارق ضيق في الانتخابات الأولى عام 1960.
وقال كينيدي إن الفصل العنصري مشكلة أخلاقية، وكرر بأن الولايات المتحدة لن تكون حرة ما لم يكن مواطنوها كلهم أحرار.
دعم السود والبيض
ومن الخطوات التي ساهمت في فوز كينيدي، تدخله من أجل الإفراج عن زعيم حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ، بعدما تعرض للاعتقال، إذ أدى الأمر إلى تحول كبير في أصوات السود لمصلحة كينيدي.
وهو ما تكرر في حالة بايدن، الذي لقي دعما كبيرا من جانب السود، خاصة بعدما دعا أشقاء جورج فلويد للتحدث في مؤتمر للحزب الديمقراطي.
ومن الخطوات التي حسبت له: تعيين أعداد غير مسبوقة من الأميركيين الأفارقة في مناصب رفيعة المستوى في الإدارة، وعين نائب الرئيس ليندون جونسون مسؤولاً عن لجنة الرئيس المعنية بتكافؤ فرص العمل، وطالب بمراجعة سياسات التوظيف.
وكان ترامب يظهر في اختيار المسؤولين المقربين منه انحيازا كبيرا نحو البيض عموما، ولا سيما الرجال منه، وهو ما سعى بايدن إلى الاتبعاد عنه، عبر اختيار ملونين عديدين في إدارته، ولا سيما نائبته كامالا هاريس.