أطفال اليمن يتحسسون طرقاتهم الملغومة إلى مدارس خربة

رغم أعمدتها المتضرّرة وأسقفها المنهارة وأنقاض جدرانها الإسمنتية، عاد الطلاب إلى مدرسة “الوحدة” اليمنية في أول أيام العام التربوي الجديد هذا الأسبوع، ليستكملوا تعليمهم وسط خراب الحرب وجائحة كورونا التي أضافت معاناة جديدة، قد تقضي على حلم الأطفال والشباب في التعليم.

في المدرسة القريبة من تعز، ثالث أكبر مدينة في البلد الفقير الذي مزقته سنوات من الصراع السياسي، لا أبواب ولا نوافذ، ناهيك عن المكاتب وألواح الكتابة الخشبية.

يستخدم الطلاب دفاتر التمارين القديمة لتدوين دروسهم، حيث يجلسون في فصول دراسية مؤقتة برفقة معلمين تحلّوا بالجرأة الكافية لتعليمهم تحت سقوف متداعية تبدو على وشك الانهيار فوق رؤوس الجميع.

ويشير علي سلطان، والد أحد الطلاب، إلى جدار كتب عليه بالأحرف الحمراء “احذروا الألغام”، وهو يشرح السبب وراء القبول بعودة الطلاب لهذه المدرسة. تقع المدرسة في وسط حقل ألغام تم تطهيره جزئيا للسماح للطلاب بالعودة، بعدما تعرض المبنى لقصف جوي قبل نحو أربع سنوات.

وقال سلطان عن الأطفال الذين عادوا إلى المدرسة الأربعاء في بداية العام الدراسي، “كان الخيار صعبا، إما أن نتركهم في المنزل وإما نواجه خطر إحضارهم إلى هنا للدراسة بين هذه الأنقاض”. وتابع، “مررنا بأوقات عصيبة للغاية”، في إشارة إلى القتال بالمدينة الجنوبية الغربية.

ويعيش اليمينيون على واقع مرير مع بداية العام الدراسي حيث بات من الصعب على الكثير من الأسر اليمنية توفير متطلبات أبنائهم الدراسية في هذا العام بعد أن صمدوا سنوات خمس مع تدهور الوضع المعيشي وعدم قدرتهم على توفير متطلبات الحياة.

يقول سلطان، يحتاج الأطفال إلى مصاريف يومية، إضافة إلى رسوم المدرسة واللوازم المدرسية التي تشهد تكاليفها ارتفاعا متواصلا، هي مصاريف جعلت الكثير من العائلات يحجمون على تسجيل أطفالهم في المدارس بعد أن صمدوا لسنوات عديدة، مؤكدا أن لا أعمال متوفرة ولا دخل قارا لهاته الأسر لكي تضمن عودة أبنائها إلى التعليم.

تقول الأمم المتحدة، إن مليوني طفل من أصل سبعة ملايين في سن الدراسة باليمن لا يذهبون إلى المدرسة على الإطلاق. وبحسب عبدالواسع شداد، مدير التربية والتعليم في محافظة تعز، فإن “ما لا يقل عن 47 مدرسة دمرت بالكامل خلال القتال” في مدينة تعز وحدها، مركز المحافظة. قال، “في ما يتعلق بالدمار حصلنا على نصيب الأسد”.

وذكر أنّه أُجبر على إغلاق تلك المدارس وتوجيه الطلاب إلى المدارس الأخرى التي يمكن أن تستوعبهم، حتى لو كانت في حالة سيئة واضطر بعض الأطفال إلى المشي أميالا للوصول إليها.

بسبب عدم وجود لوح للكتابة، تكتب جميلة الوافي دروس اليوم بالقلم الرصاص على أحد الأعمدة الإسمنتية الذي نجا من الدمار، بينما يجلس الطلاب على الأرض ويتابعونها باهتمام ويدونون الملاحظات بعناية في دفاتر التمارين الخاصة بهم.

وبمجرد انتهاء الحصة الدراسية، ينحدرون نزولا عبر سقف منهار، يستخدمونه كسلم للانتقال من الطابق الأول إلى الأرضي. قالت مديرة المدرسة جميلة الوافي، “لدينا 500 طالب”، داعية “العالم كله إلى إنقاذ المدرسة التي قد تنهار تماما في أي لحظة”.

وفي الساحة الخلفية، يقوم الأطفال ببعض التمارين الخفيفة قبل بدء اليوم الدراسي والاصطفاف بهدوء في انتظار انطلاق الدروس. إضافة إلى ما يعانيه الأطفال وعائلاتهم في رحلة تعليمهم، فإن المعلمين في مناطق الحوثيين لا يزالون دون رواتب منتظمة منذ أربع سنوات، وفتحت الجماعة باب التطوع للراغبين في التدريس، لتجاوز تحدي العجز الذي يهدد بشل التعليم.

معاناة المعلمين فاقت إمكاناتهم ودفعتهم إلى هجر مهنتهم من ناحية أو الحياة برمتها، إذ تداول ناشطون حوادث عدة لعمليات انتحار مدرسين، وأخرى لطردهم من منازلهم، لعجزهم عن تسديد معاليم الإيجارالشهرية.

وجاء في بيان مشترك بين صندوق “التعليم لا يمكن أن ينتظر” و”الشراكة العالمية من أجل التعليم” ومنظمتي اليونسكو واليونيسف، إن “الوضع المزري في اليمن أدّى إلى خروج أكثر من مليوني طفل من المدرسة”.

وأكد البيان على أن ترك هؤلاء الأطفال خارج المدارس يعرضهم لخطر كبير مثل عمالة الأطفال والتجنيد في الجماعات والقوات المسلحة وزواج القاصرات والاتجار وغير ذلك من أشكال الاستغلال والإساءة.

ودعا البيان إلى استئناف دفع رواتب ما يقرب من نصف المعلمين اليمنيين والموظفين في المدارس “الذين لم يقبضوا رواتبهم بشكل منتظم منذ عام 2016 ويقدّر عددهم بـ160 ألف معلم”. وأضاف البيان، “مع تعليق دفع الرواتب وتعرض المدارس للهجوم باستمرار، اضطر العديد من المعلمين إلى إيجاد مصادر بديلة للدخل لإعالة أسرهم”.

وأتي هذا البيان بالتزامن مع اليوم العالمي للمعلمين، الذي يتم الاحتفال به في هذا اليوم من كل عام. وتم إيقاف التعليم في أكثر من 2500 مدرسة بحلول عام 2019، ثلثاها تضرر من الهجمات، والأخرى تستخدمها القوات المتحاربة أو أصبحت ملاجئ للنازحين، وغيرها أغلقت ببساطة بسبب قلة الموارد وعدم القدرة على دفع الرواتب والتكاليف.

وقالت الوافي، إنه بالنسبة إلى مدرسة “الوحدة” ومعلميها وطلابها، فإنّ البدائل محدودة للغاية. وأوضحت، “يمكنك بالفعل مواصلة العمل في ظل هذا الخطر الكبير، للتوقف عن خسارة جيل من الطلاب يفتقرون إلى التعليم”.

• نقلًا عن العرب اللندنية

زر الذهاب إلى الأعلى