«كورونا» والوقاية من المخاوف
علينا من الآن وصاعداً أن نتأنى في الأحكام التي نطلقها عند ظهور أي وباء أو تحوّل بالأجواء، ونكتشف حينئذٍ أن المبالغة هي التي تقود إلى المشاعر المهزومة.
مثل ما ظهر الحديث عن كورونا وتشعب، أخذ يتلاشى شيئاً فشيئاً، وهكذا هي الأمور، تظهر ويتسع مداها ثم تتراجع قليلاً فقليلاً لتختفي تماماً، لا يحدث ذلك في محيطنا فقط، بل وفي المحيط الأوسع، ويبدو أن ذلك يحدث نتيجة للتسرع لا لضعف الذاكرة.
ولو توقفنا طويلاً تجاه ما قيل عن فيروس كورونا، واتساع دائرته، ثم كيف أخذت تتلاشى موجته إلى أن كدنا لا نسمع عنها إلا القليل، وما يقال عن ظهور حالة هنا وحالة هناك، إنما هو دليل على ذلك التلاشي، وانتصار الإنسان على الموجات العنيفة.
وسيكون علينا من الآن وصاعداً أن نتأنى في الأحكام التي نطلقها عند ظهور أي وباء أو تحوّل بالأجواء، ونكتشف حينئذٍ أن المبالغة هي التي تقود إلى المشاعر المهزومة، وتضع الإنسان في حالة من الترقب والخشية من أن تتسع دائرة الوهم وتتحول إلى إطار يبتلع كل ما حوله، وكأنه جزء لا يتجزأ من حقائق الواقع، وهو ليس كذلك. وما أكثر الأوهام التي تتصادم مع الواقع، لكنها سرعان ما تتكشف وتتلاشى وتعمل على توكيد الحقائق لا الأوهام.
فارق كبير بين ما كان عليه حال كورونا قبل أشهر وما هو عليه اليوم، وهو ما يقتضي عدم التسرع قبل التثبت والانطلاق من الواقع بحقائقه ومؤكداته، وكيف بدأت حالة كورونا عامة ومنتشرة في كل المناخات في العالم القديم والعالم الجديد ثم كادت تتبدد، وعلى الإنسان في ظروف التغيير والانكسارات أن يتنبه إلى أن كل شيء خاضع للتغيرات بالقدر الذي هو خاضع للجمود والثبات.
وربما لا يظهر ذلك لدى الشعوب المتخلفة التي ألفت حالة الجمود سنوات طويلة وتحتاج إلى وقت أكبر للتغيير، لتتمكن معه من استعادة حويتها وما كانت تتمتع به من نشاط ورغبة في التحول الدائم.
نظرة واحدة إلى ما كانت عليه الولايات المتحدة في معرض الأحاديث عن الوباء، وكيف صار الآن لا يكاد يثير أدنى حالة من القلق التي كانت سائدة منذ أسابيع ثم منذ أيام، ونقول ذلك بغض النظر عن أن اختراع لقاح مضاد للوباء قد هَدَّأ موجة الخوف فتلاشت وأوشكت أن تختفي. وهذا ما توحي به أحوال المجتمعات المتقدمة في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.
لقد نجحت الشعوب في مقاومة الوباء، وما ترتب عليه من مخاوف، وبقيت الشعوب المتقدمة في حالة مقاومة وتحدٍّ للمرض وما يصدر عنه، وأكرر القول: إن الأحوال التي كانت قد دخلت فيها بعض المجتمعات المتقدمة كالمجتمعات الأمريكية والفرنسية والألمانية قد بدأت بالزوال، وعادت للمجتمع الأمريكي حالته المقاومة، ومنها ينتقل إلى حالته الطبيعية، إذ من الصعب على مجتمع دائم الحركة لا يعرف التجمد أن يستسلم لحادث طارئ وأن يؤثر فيه من قريب أو بعيد.
ويبدو الحال في الولايات المتحدة، حيث الزحام والتجمعات على الشوارع والحارات والأماكن المغلقة على بعضها، وهنا نتوقف لنرد على سؤال يعترض الجملة الأخيرة، وهو: كيف تحولت تلك المجتمعات إلى حالة من الأمن وعدم التخوف من أحوال تهدم هذا الأمان؟ ولنا أن نعيد التوقف مرة أخرى في أشهر أحياء مدينة نيويورك، وما يرافقه من زحام منقطع النظير حين نتأكد أن إشاعة الوباء لم تعد تخيف الناس ولا ترهبهم.
فقد امتلكوا مناعة تقيهم المخاوف، وفي الوقت ذاته امتلكوا قدراً كبيراً من التحدي ومواجهة ما رافق ذلك الشعور الصحي من رغبة في استكمال مكونات التحدي والمقاومة، ولن يكون ذلك صعباً على مجتمع مدينة تاريخية كمدينة نيويورك.
المصدر: الخليج