الولايات المتحدة تقترب من ركود اقتصادي تاريخي
ظهرت بوضوح مظاهر عن انكماش غير مسبوق للاقتصاد الأميركي وتسجيل تراجع كبير في نسبة النمو، ما يطرح تساؤلات حول تداعيات هذا الانهيار المتوسطة وبعيدة الأمد نظرا إلى إجماع الخبراء والتقارير على أن العواقب ستمتد آثارها لسنوات.
وأكدت تحاليل وتقارير أن الولايات المتحدة ستشهد خلال العام 2020 ركودا تاريخيّا ناجما عن تأثير فايروس كورونا المستجد، بعد عشر سنوات من النموّ المستمر غذتها بيانات رسمية عن انكماش حادّ وتراجع الناتج المحلّي الإجمالي.
وسجلت البلاد تراجعا في الناتج المحلّي الإجمالي بفعل تهاو في النشاط الاقتصادي في الأسبوعين الأخيرين من شهر مارس، حيث شهدا تقديم الملايين من الأميركيين طلبات للحصول على إعانة البطالة.
وخلال خمسة أسابيع، قدّم أكثر من 26 مليون شخص طلبات للحصول على إعانة بطالة، وهو أمر غير مسبوق في الولايات المتحدة. وعزّزت قراءة وزارة التجارة للناتج الإجمالي في الربع الأول الأربعاء تنبؤات المحللين بأن الاقتصاد غارق بالفعل في ركود عميق.
وهبط الناتج المحلي الإجمالي 4.8 في المئة على أساس سنوي في ربع السنة الماضية، متأثرا بتراجع حاد في إنفاق المستهلكين وخفض مخزونات الشركات. وهذه أسرع وتيرة انكماش للناتج الإجمالي منذ الربع الرابع من 2008.
ومن العوامل الرئيسية الأخرى للانكماش نزول استثمارات الشركات بشكل متزايد، وهو ما طغى ضمن عوامل أخرى على أنباء إيجابية من انخفاض فاتورة الاستيراد وسوق الإسكان وزيادة الإنفاق الحكومي.
ويتوقع المحللون بحسب ” العرب” اللندنية انخفاضا سنويّا بنسبة 4.3 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. ويبدو “مكتب الميزانية في الكونغرس”، وهو هيئة مستقلة، أقلّ تشاؤما ويتوقّع انخفاضا بنسبة 0.9 في المئة لنفس الفترة.
وحذّر كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء من أن “هذا التراجع ليس على أيّ حال سوى نزر يسير من مشكلة أكبر”. وأضاف أن الأشهر المقبلة ستشهد تقهقرا “لا يشبه أيّ شيء رأيتموه من قبل على الإطلاق”.
وسيظهر، اعتبارا من شهر أبريل الجاري، حجم الضرر الذي ألحقه فايروس كورونا المستجد بالاقتصاد الأميركي، بالتزامن مع تدابير العزل واسعة النطاق لمنع انتشار الوباء في النصف الثاني من شهر مارس.
وتوقّف النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة مع انتشار الفايروس خلال مارس وفرض تدابير تهدف إلى احتوائه. فأغلقت المدارس والمقاهي والمطاعم وكذلك معظم المتاجر غير الأساسية، في حين أرغمت شركات عديدة على تعليق نشاطها أو خفضه إلى حدّ كبير.
أما في الفصل الثاني، فقد ينخفض إجمالي الناتج المحلّي بنسبة 11.8 في المئة، ما سيمثّل تراجعا بنسبة 39.6 في المئة عن مستواه في الفصل الثاني من العام 2019، بحسب ما ذكرت هيئة الميزانية المستقلة.
ولا يُعرف بعد سرعة ومدى انتعاش النشاط الاقتصادي. وسيتم تخفيف تدابير الاحتواء في كل ولاية حسب ظروفها، وقد سمحت بعضها، مثل جورجيا أو تكساس، بإعادة فتح المحلّات التجارية.
وقد تستغرق العودة إلى مستوى 2019 بالنسبة إلى بعض القطاعات المتأثرة بشكل خاص بتوقف الاقتصاد، مثل النقل الجوي، عدة سنوات.
ويعود آخر أكبر انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي إلى الربع الرابع من عام 2008، عندما انخفض بنسبة 8.4 في المئة. وبعد عام ونصف العام من الركود، عاد النموّ في أواخر عام 2009.
وتحوم الضبابية والغموض على المستقبل الاقتصادي حيث تنتظر الأسواق بلهفة ما سيصدره مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في نهاية جلسة لجنة النقد، من توقعات للاقتصاد العالمي الأول.
وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى مجموعة “جي.بي مورغان” مايكل فيرولي “أعتقد أنهم سيقولون إن الاقتصاد يتدهور بسرعة فائقة والآفاق غير واضحة بتاتا”.
ويخشى ألّا يغامر أعضاء لجنة النقد “باتخاذ موقف حازم من التوقّعات الاقتصادية، التي تتوقف بشكل ما على عناصر الصحة العامة الخارجة عن سيطرتهم”. ولن يتطرّق البنك المركزي الأميركي، الذي تجتمع لجنته النقدية كل ستة أسابيع، إلى أسعار الفائدة هذه المرة.
وكان قد خفضها إلى الصفر في منتصف مارس، أمام انتشار الفايروس في البلاد، وهو إجراء لم يتخذه منذ الركود الأخير في عام 2009. كما أطلق الاحتياطي الفيدرالي سلسلة من التدابير، سواء كانت أدوات معتادة أو مبتكرة، لطمأنة الأسواق وإعطاء نفحة جديدة للشركات والأسر.
وارتفعت مخزونات الخام بالولايات المتحدة دون المتوقّع، في حين انخفضت مخزونات البنزين، حسبما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأربعاء. وزاد مخزون الخام 9 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 24 أبريل إلى 527.6 مليون برميل، في حين توقّع المحللون زيادة قدرها 10.6 مليون برميل.
وارتفعت مخزونات الخام بنقطة التسليم في كاشينغ بولاية أوكلاهوما بنحو 3.6 مليون برميل في أحدث أسبوع، بحسب الإدارة.وتراجعت مخزونات البنزين الأميركية بنحو 3.7 مليون برميل على مدار الأسبوع إلى حوالي 259.6 مليون برميل، وفقا لإدارة المعلومات، وذلك مقارنة مع زيادة 2.5 مليون برميل توقّعها المحللون.