كورونا يعري عدم الإتقان والتسرع في إعداد مسلسلات رمضان

يعضّ بعض مخرجي المسلسلات الدرامية بمصر على أناملهم حاليا لعدم تبني خطة عمل مرنة تتعاطى مع إشكالية الفايروس المستجد، فلم ينزلوا مبكرا لمواقع التصوير وفوجئوا بعد إعداد الحلقات الأولى بقرارات حظر التجوال والتباعد الاجتماعي وقيود حركة السفر التي أدت إلى الإرجاء لأجل غير مسمى.

وتأكد خروج مسلسل “سيف الله” الذي يحكي قصة الصحابي خالد بن الوليد، وراهن عليه كثيرون ليكون بادرة لعودة قوية للدراما التاريخية إلى السباق الرمضاني، بسبب مشكلات في استخراج تصاريح التصوير في الأردن، ليخرج بطله عمرو يوسف من الموسم الذي كان ينتظره.

ويمثل “سيف الله” الذي تم الانتهاء من تصوير عشر حلقات من السيناريو الذي كتبه إسلام حافظ، والمأخوذ من كتاب “عبقرية خالد” للكاتب الراحل عباس محمود العقاد، واحدا من بين عدة مسلسلات تولت شركة “سينرجي” إنتاجها، ولن تلحق برمضان.

ورغم الاستعدادات المكثفة لم يبدأ تصوير مسلسلات “اختراق 2” للفنان أحمد عيد، و“خيط حرير” للفنانة مي عزالدين، و“سلطانة المعز” لغادة عبدالرازق، و“أسود فاتح” لهيفاء وهبي، و“تقاطع طرق” لمنى زكي، وسط مُمانعة من المخرجين لتنفيذ المشاهد داخل الأستوديوهات المغلقة التي لن تُحقّق الصورة المطلوبة التي يريدون تقديمها للمشاهدين.

وعانت المسلسلات التي تتضمن قدرا كبيرا من المشاهد الخارجية والتصوير فى الأماكن العامة، أو التي تضم العشرات من الممثلين والمجاميع “الكومبارس” وخبراء التحريك والخدع، وكذلك التي يتم تصويرها في دول مختلفة، من قيود السفر وتعليمات الصحة بعدم وجود تجمعات كبيرة في مكان واحد.

وتكرّر المصير ذاته مع مسلسل “حتّى لا يطير الدخان” بطولة مصطفى شعبان، وإنتاج “العدل غروب” الذي لن يدرك الموسم الرمضاني وتم تأجيله لعدم الانتهاء من كتابة غالبية حلقاته حتى الآن، ليغيب شعبان عن دراما رمضان للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام.

https://youtu.be/LVQF33-bXDA

تدابير احترازية
صدرت تعليمات رسمية للمخرجين بإلغاء المشاهد الجماعية في المسلسلات، واتباع تدابير احترازية لمواجهة فايروس كورونا ما يعطل وتيرة العمل كثيرا، وعليهم قياس درجة الحرارة للجميع باستمرار وتعقيم الأسطح والآلات والسيارات وتغيير مساحة التصوير لأماكن أوسع تتماشى مع اشتراطات الإبقاء على مسافة لا تقل عن متر بين الطواقم الفنية.

ويعتبر مسلسل “القاهرة – كابول” لطارق لطفي مثالا صارخا على تلك المشكلة، ليخرج من الموسم رغم تصوير نصف مشاهده، فقصته تدور حول الإرهاب ما يتطلب تصويره في أماكن مختلفة بينها دول أوروبية، ولم يتم حسم مصير توقيت عرضه حتى الآن في الموسم التالي لرمضان، أم تأجيله بشكل كامل إلى العام المقبل.

ولا يعترف المخرجون كثيرا بتأخرهم في التصوير، ويؤكّدون أن التحضيرات تتطلب وقتا طويلا في اختيار طاقم العمل، من ممثلين وتصوير ومونتاج، مع وجود ارتباطات للأبطال الكبار في السينما أو المسرح، بالتالي يظل الوقت المثالي للدراما قبل رمضان بأسابيع قليلة.

ويملك بعض المؤلفين والممثلين رأيا مختلفا، مثل الكاتب محمد سليمان عبدالمالك، مؤلف مسلسل “خيط حرير” الذي اعترف بأن بداية التصوير كانت متأخرة، وفي ظل أزمة كورونا أصبح خروج العمل إلى النور مهمة مستحيلة. وتم إرجاء العمل وسيتم استئناف تصويره بعد الماراثون الرمضاني، وتحديد موعد عرضه في وقت لاحق.

وأرجعت الفنانة التونسية هند صبري، في حديث مع إحدى القنوات الفرنسية، توقّف تصوير مسلسلها “هجمة مرتدة” مع أحمد عز، إلى الحفاظ على سلامة طاقم التمثيل وعائلاتهم والمجتمع ككل، فالفنانون لديهم مسؤولية وطنية بحماية المجتمع ومنع تفشي العدوى، ولن يستطيعوا استكمال العمل الذي فضّ منتجه ديكورات التصوير الخاصة به.

ويثير تأخير تصوير المسلسلات الدرامية العديد من علامات الاستفهام مع شركات الإنتاج التي تعاقدت مع أبطال موسم الدراما الحالي قبل حوالي عام، ولم تتمكّن من الوفاء بتعاقداتها نتيجة هذه الظروف الطارئة، وهو ما يفتح الباب لمشكلات ونزاعات مالية، قد تؤدّي إلى تكبدها خسائر كبيرة، بسبب إخفاقها في اللحاق بالموسم الرمضاني.

وحجزت بعض الشركات مجموعة من الأسماء ذات الجماهيرية الكبيرة مبكرا لضمان عدم تعاقدها مع الغير، مثل أمير كرارة ومحمد رمضان ويوسف الشريف وعادل إمام، ونجحت في الانتهاء من أعمال هؤلاء، خاصة التي بدأ تصويرها مبكرا.

وأكد السيناريست بشير الديك، لـ”العرب”، أن عدم توفير الإنتاج للجوانب المالية ووجود بعض التعقيدات الإدارية يقفان وراء تأخير الكثير من المسلسلات، فالمخرجون لديهم القدرة على التصوير في أي وقت، وما يقيّدهم ويؤخرهم هو إنشاء الديكورات ودفع تكاليف التنقل والسفر والوفاء بجزء معتبر من أجور الممثلين.

مع ذلك، توقّع البعض من النقاد أن يكون الموسم الدرامي الرمضاني مميزا، فمع خروج الكثير من المسلسلات عن العرض وحاجة القنوات لشغل فراغ شاشتها، سيتم استدعاء الأعمال القديمة وعرضها مع الجديد، في منافسة فريدة بين مدرستين مختلفتين في التصوير والأداء والفكرة والمعالجة.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه
يقول بشير الديك إن دولة مثل مصر يجب على الجهات الحكومية التدخّل والمشاركة في الإنتاج بما يثري العملية الفنية ويضمن توافر منتج درامي جيد يُعيد لها قوتها الناعمة من بوابة الدراما الاجتماعية الهادفة التي تحمل رسائل وقضايا وطنية وتناقش السلبيات وتعالجها، والتي لا يُقبل عليها القطاع الخاص كثيرا لسعيه وراء الربح في المقام الأول.

ويشير نقاد إلى أن الأعمال الدرامية الجديدة ربما تشهد منافسة قوية مع البرامج الحوارية، فبعض القنوات استعدت للطوارئ وأعدّت سلسلة من البرامج التي يُمكنها تعويض غياب الأعمال الدرامية المُتعاقد عليها، خاصة ذات الطبيعة الكوميدية التي قد تنسي المشاهدين همومهم وتخفّف من حالة القلق العام من كورونا وتداعياته.

وأوضح الناقد الفني أحمد سعدالدين أن المشكلات التي يُعاني منها الموسم الدرامي الحالي ربما تُغيّر من أسلوب صناع الدراما المعتاد وتدفعهم في المواسم المقبلة للاستعداد للموسم الجديد مبكرا، بما يمنحهم فترة طويلة للعمل وإنتاج مضمون جيد وقدرة على مواجهة المستجدات والطوارئ.

وتسبّب تأخير تصوير الأعمال في عدم قدرة الإنتاج على اكتساب مرونة في مواجهة المفاجآت، كحريق موقع تصوير مسلسل “النهاية” ليوسف الشريف، الشبيه بمكوك فضاء، ويحتاج وقتا طويلا لإنشائه أو تعويض اعتذارات بعض الفنانين في اللحظات الأخيرة، مثل مسلسل “لعبة النسيان” لدينا الشربيني الذي انسحب مخرجه وبعض فنانين الصف الأول منه، ما أجبر صناعه على الاستعانة بفريق تصوير كامل لإنقاذ الموقف.

ولجأ البعض من المخرجين إلى تقليص الحلقات واستحداث أجزاء ثانية بالتعاون مع كتاب السيناريو من أجل استبقاء الحد الأدنى من الحلقات اللازمة لاشتراطات العرض في رمضان (30 حلقة)، واختفاء ظاهرة المسلسلات الطويلة التي انتشرت مؤخرا.

وكشف فايروس كورونا عورات صناعة الدراما في السنوات الأخيرة التي تتعمد الانتهاء سريعا من الأعمال لتسليمها، بصرف النظر عن الجودة، فالمهم تلبية نهم العرض التلفزيوني في القنوات الفضائية، ويدفع هذا الوضع نحو التخلي عن نظريات المشاهدة القديمة التي ترى أن الجمهور قطعة إسفنج يمتصّ كل ما يُقدّم له دون تدقيق أو تمحيص في الجودة.

المصدر : العرب

زر الذهاب إلى الأعلى