تقلص الاستثمار التلفزيوني يضع كرة القدم على «حافة الهاوية»

أجبر تفشي فايروس كورونا جل الاتحادات الرياضية الدولية والإقليمية على وقف كل الأنشطة إلى آجال غير مسماة ما جعل أسهم كل الرياضيين والنوادي تتهاوى بطريقة غير مسبوقة.

وشأنها شأن مجالات أخرى، تعد المنافسات الرياضية من الأنشطة التي تدر أموالا ضخمة على الدول لما تكتسيه من متابعة المليارات من البشر ولما تغدقه المؤسسات الاقتصادية من أموال طائلة قصد الاستثمار في المجالات الرياضية.

ومن بين الرياضات الأكثر تأثرا بأزمة كوفيد – 19 لعبة كرة القدم التي لم تتوقف أنشطتها تقريبا منذ سبعة عقود، أي منذ الحرب العالمية الثانية حيث ألغيت دوريات أوروبية في إنجلترا وألمانيا وفرنسا.

وتعود الآن حرب الدول على كورونا لتضع الرياضة الأكثر شعبية على المحك وعلى شفا الإفلاس، خاصة أن أكبر المؤسسات الاقتصادية التي تحرك عجلة الاستثمار في هذه اللعبة لم تعد قادرة ولم تعد مستعدة لضخ أموالها في قطاع لا يضمن أرباحا.

تهاو غير مسبوق

لم تعد هذه المؤسسات الاقتصادية تراهن على الاستثمار في عالم الجلد المدور بعدما أوقفت كل الدوريات بلا استثناء وخاصة في أوروبا أين يكون الرهان على المباريات مجالا خصبا لجمع ملايين الدولارات.

ويرى في هذا الصدد الرئيس التنفيذي لمجموعة “ميديابرو” الإسباني جاومي روريس، أن عهد إنفاق أندية كرة القدم مئات الملايين في سوق الانتقالات للتعاقد مع اللاعبين قد ولّى، مع توجه قنوات البث التلفزيوني لتقليص استثماراتها في اللعبة بعد أزمة فايروس كورونا المستجد.

وعلّق النشاط الكروي في معظم الدوريات والبطولات حول العالم منذ مارس بسبب تفشي كوفيد – 19، ما أدى إلى خسائر كبيرة للأندية جراء تراجع إيراداتها من حقوق البث وتذاكر المباريات.

وتجد “ميديابرو” نفسها معنية بهذا الأمر بالدرجة الأولى، بعدما استحوذت على النسبة الأكبر من حقوق بث مباريات الدرجتين الأولى والثانية من الدوري الفرنسي للأعوام الأربعة المقبلة بدءا من موسم 2020-2021، بصفقة إجمالية قياسية قدرها 1.153 مليار يورو (1.25 مليار دولار) سنويا.

وللمجموعة المملوكة صينيا، حقوق عرض مباريات “الليغا” في الحانات والمقاهي في إسبانيا، على رغم انتهاء عقدها كالناقل الرسمي للدوري منذ عامين.

وستتابع شبكات مثل “سكاي سبورتس” و”بي.تي سبورت” المالكتان لحقوق بث الدوري الإنجليزي الممتاز في المملكة المتحدة، و”سكاي دويتشلاند” لمباريات البوندسليغا في ألمانيا، باهتمام كيفية تنفيذ “ميديابرو” العقد الذي يدخل حيز التنفيذ في فرنسا في أغسطس، علما بأن المجموعة لم تطلق بعد قناتها الخاصة بهذه المباريات.

وناقشت منظمة الصحة العالمية مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” الثلاثاء، مستقبل كرة القدم في “القارة العجوز” تحت وطأة تفشي فايروس كورونا.

وأوصت منظمة الصحة الاتحاد الأوروبي، بعد استشارة علماء الأوبئة، بعدة نصائح من بينها تجميد فعاليات كرة القدم إلى موعد بعيد، وذلك من أجل الحد من انتشار فايروس كوفيد – 19 بشكل كامل، لكن صحيفة “إندبندنت” البريطانية قالت، إن “يويفا” نفى صحة هذا التقرير شكلا وموضوعا.

في حوار مع وكالة فرانس برس، شدد روريس على أن الاتفاق المبرم مع الأندية الفرنسية “لن يتغير”، ولكنه أبدى شكوكا حيال المبالغ التي ستتمكن الشبكات من إنفاقها في العقود المستقبلية.

وقال “المبالغ التي تم إنفاقها على شراء الحقوق قد بلغت أصلا حدها الأقصى بشكل عام. من الواضح أن حقوق البث التلفزيوني ستتأثر بهذا العامل”.

ويرجح أن يتسبب خفض تلك المبالغ بتداعيات قاسية على الأندية. فعلى سبيل المثال، حقق برشلونة الإسباني، أغنى أندية العالم، 35 في المئة من إجمالي إيراداته الموسم الماضي من البث التلفزيوني، مقابل 50 في المئة لليفربول الإنجليزي بطل أوروبا.

واعتبر روريس أن “الأيام التي تنفق فيها أندية كرة القدم مئات ملايين اليورو للتعاقد مع اللاعبين قد ولّت… لأن خزائن الأندية ستنفد من الأموال ولأن المصارف لن تقرض الأندية بسهولة كالسابق”.

وتابع “كل ذلك سيتغير وأعتقد أنه أمر إيجابي للغاية. لم أتفق يوما مع فكرة إنفاق الأندية 140 أو 160 مليون (يورو أو دولار) للتعاقد مع لاعب. سيكون أمرا إيجابيا للمجتمع بشكل عام ولأحوال الأندية المالية بشكل خاص”.

ويعتقد روريس المولود في كاتالونيا أن احتمال شراء برشلونة النجم البرازيلي نيمار من باريس سان جرمان الفرنسي على سبيل المثال بات “الآن مستحيلا … بكل بساطة لا يملك برشلونة القوة الاقتصادية”.

وأصبح نيمار في صيف عام 2017 أغلى لاعب في العالم بعد انتقاله من النادي الكاتالوني إلى نادي العاصمة الفرنسية مقابل 222 مليون يورو. وتشير تقارير منذ أشهر إلى رغبة المهاجم بالعودة لارتداء ألوان فريقه السابق.

في ظل توقف المباريات حاليا، بدأ بعض مالكي حقوق البث بالتوقف عن تسديد دفعاتها، حيث علّقت شبكتا “كانال بلوس” الفرنسية و”بي.إن سبورتس” القطرية اللتان تتشاركان حقوق بث مباريات الدوري الفرنسي للدرجتين الأولى والثانية، تسديد الدفعات المستحقة لرابطة الدوري. أما في المملكة المتحدة، فسمحت شبكة “سكاي سبورتس” لزبائنها بتجميد اشتراكاتهم.

خزائن فارغة
تسود مخاوف من عدم إبقاء المشجعين على اشتراكاتهم باهظة الثمن أو تجديدها، إلا أن روريس أبدى ثقته بأن الجماهير ستكون حريصة على متابعة كرة القدم مجددا ما إن يتم رفع قيود الإقفال التام المفروضة حاليا للحد من تفشي كوفيد – 19.

وأكد الإسباني البالغ 70 عاما أن “الأزمة لن تبقي الناس بعيدين عن متابعة كرة القدم. قد يتحتم علينا اللعب خلف أبواب موصدة، وقد تغلق المطاعم والحانات حتى موعد لا نعرفه، ولكن الناس ستكون بحاجة أو بالأحرى سترغب بمتابعة كرة القدم في أقرب وقت ممكن… في الوقت الراهن، لا نرى الحاجة لتغيير أي شيء”.

وفي وقت يطمح الدوي الألماني إلى معاودة نشاطه الشهر المقبل، يُتوقع أن تقام المباريات في الدوريات الأوروبية الكبرى بغياب الجماهير لأشهر عدة.

وأكد روريس “أعتقد أن ذلك سيكون إلزاميا. ولكن إذا أنهيت البطولات خلف أبواب موصدة، قد لا تلعب أيام السبت والآحاد. إذ نلعب عادة في نهاية الأسبوع لأن الناس لا تكون في أعمالها وبإمكاننا الذهاب إلى الملاعب، ولكن ليست هذه الحال الآن. لذا بإمكاننا تعديل البرنامج”.

وأضاف “نسبة المشاهدة التلفزيونية ستكون أفضل لأن شريحة أكبر من الناس ستكون في المنزل. في نهاية المطاف، ستبقى كرة القدم الرياضة المفضلة لدى الناس”.

وكشف خبراء ماليون عن الأضرار المالية التي ألحقها الوباء الذي أدى إلى تعليق نشاط كرة القدم حتى إشعار آخر. وفي وقت سابق من هذا الشهر، علق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) دوري الأبطال والدوري الأوروبي، بينما تم تأجيل يورو 2020 للصيف المقبل.

ومن المتوقع أن يؤدي تعليق المنافسات إلى خسائر تتخطى 4.1 مليار يورو، وفقًا للبيانات التي جمعها الخبراء الماليون، وسيشمل ذلك الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي سيخسر مبلغًا يصل إلى 1.28 مليار يورو.

وقال متحدث باسم الخبراء الماليين “شهد العقدان الأخيران نموًا مذهلًا في عائدات أندية كرة القدم الأوروبية، مدفوعًا بارتفاع في قيم حقوق البث، لكل من المسابقات المحلية والقارية”.

المصدر: العرب

زر الذهاب إلى الأعلى