الجيش الأبيض العربي يخوض حرب كورونا بلا أسلحة

أصبح الأطباء والممرضون والعاملون في مجال الرعاية الصحية أبطالا يحاربون وباء فايروس كورونا في الصفوف الأمامية، وهو “الأزمة الأكثر تحديا التي واجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية”، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لتأثير الفايروس التاجي، وقد صفق للإطار سكان العالم من الشرفات وفي الشوارع.

وتتسابق مواقع التواصل الاجتماعي في نشر صور للأطباء الذين يطلق عليهم اسم “محاربي كورونا” وهم يسابقون الوقت لإنقاذ الأرواح.

وتداول مغردون عبر العالم صورا تبين ظهور ندوب وتقرحات على وجوه المسعفين والممرضين، بسبب ارتداء الأقنعة الطبية بشكل دائم.

العاملون في مجال الرعاية الصحية يقولون “نحن لسنا أبطالا، نحن نقوم بوظيفتنا فقط، والآن هو أكثر وقت يحتاجنا الناس فيه، رغم النقص في المعدات والخوف من الإصابة بالفايروس”. وفي أحيان كثيرة، يواجهون قرارات مفجعة أثناء معالجة المرضى.

أصحاب البدلات البيضاء من العرب لم يتخلفوا عن الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء المتفشي سواء في بلدانهم أو في بلدان المهجر، فكورونا لم يستثن دولة ولا جنسا ولا عرقا.

عرب في المهجر
يقاتل الأطباء والممرضون العرب في الصفوف الأمامية لمواجهة كورونا في مختلف دول العالم، ليصبحوا فريسة سهلة للموت، ومنذ أسابيع تتوالى الأخبار السيئة عن سقوط العديد منهم في معركتهم على الخط الأمامي لمواجهة الفايروس الذي التهم مئات الآلاف من البشر.

وقدمت وزارة الخارجية البريطانية في تغريدة على حسابها في تويتر التعازي لوفاة ثلاثة أطباء، سودانيين وعراقي، كانوا من أوائل من ضحوا بحياتهم لأجل الآخرين، ووصفتهم الخارجية البريطانية بـ”الجنود المجهولين”، مشيدة بدور الأطباء العرب في التصدي لفايروس كورونا إلى جانب الكادر الطبي البريطاني.

وذكرت وزارة الخارجية الفلسطينية، أنه في أوروبا وحدها، يشارك نحو ألف طبيب فلسطيني، في مواجهة هذا الفايروس، ويعرضون حياتهم للخطر، مشيرة إلى أن العديد من الإصابات في صفوف الأطباء والممرضين ورجال الإسعاف من أصول فلسطينية وقعت في الولايات المتحدة الأميركية.

وأكد الطبيب الفلسطيني المقيم في ألمانيا كمال الدهشان، أن الأطباء العرب يقومون بواجبهم الإنساني والأخلاقي بالمستشفيات الأوروبية والأميركية المختلفة لمواجهة فايروس كورونا.

وقال “يؤدي الأطباء عملهم بكل إخلاص وأمانة رغم الخطورة العالية التي قد يتعرض لها الطبيب من خلال انتقال العدوى، ولكن هذا هو دورهم وهم لن يتخلوا عن القيام بهذا الواجب”.

وأوضحت الجمعية الطبية السورية الأميركية، في منشور لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فخرها بأعضائها المتفانين المتواجدين في الخطوط الأمامية لمكافحة جائحة كورونا وعددهم 1500 طبيب وأخصائي صحي من السوريين، ووصفتهم “بالشجعان” الذين يقدمون الرعاية الصحية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، بعد أن بلغ عدد الأطباء السوريين الذين قضوا ضحايا الفايروس أربعة في إيطاليا و9 في إسبانيا وثلاثة في بريطانيا واثنين في فرنسا.

https://www.facebook.com/sams.arabic/photos/a.1188236591309561/1928437973956082/?type=3&theater

هذه التضحيات شجعت وزارة الخارجية الأميركية على مطالبة كافة العاملين بالقطاع الطبي بمن فيهم العاملون في الدول العربية والإسلامية، بالتقدم لأي سفارة أو قنصلية أميركية للحصول على تأشيرة دخول إلى أميركا والحصول على عقود عمل.

وفي فرنسا، نوه ماتياس فارغون رئيس قسم استعجالي بمستشفى “سان دوني”، بقيمة الكفاءات الطبية التونسية، معتبرا إياهم الأكثر مهارة وكفاءة في فرنسا.

ونشر الطبيب التونسي يوسف بن ضيف الله الذي يعمل بأحد المستشفيات الفرنسية، تدوينة على فيسبوك أكد فيها أن الطاقم الذي يعمل معه في المستشفى كله تونسي.

وقال “ثلاثة أطباء استعجالي، وطبيب عظام، وطبيبا إنعاش، وطبيب قلب، وطبيب جرّاح، وطبيب مختص في التصوير بالأشعة، كلهم تونسيون”.

وأضاف “لا ينقصنا إلا سندويتش تونسي في الساعة الخامسة صباحا من أمام المستشفى ليكتمل المشهد، وكأننا في تونس”.

ورغم الجهود التي يقدمها الأطباء الأجانب في فرنسا وأغلبهم من دول شمال أفريقيا، إلا أنهم ما زالوا يعانون من المصاعب وتفاوت في الأجور.

وفي إيطاليا، وهي واحدة من أكثر البلدان المتضررة، توفي العشرات من الأطباء والممرضين بسبب الفايروس، وأصيب الآلاف من العاملين في مجال الرعاية الصحية بالفايروس.

من هؤلاء الأطباء الذين دفعوا حياتهم لإنقاذ المصابين ثلاثة سوريين، هم غيفونت مراديان وعبدالغني مكي وعبدالستار عيروض.

وشددت سيلفانا دي فلوريو، وهي منسقة التمريض في وحدة العناية المركزة المخصصة لمرضى كورونا في مستشفى “تور فيرغاتا” في روما، على أهمية وضع الأقنعة الواقية والقفازات وارتداء البدلات الطبية لتجنب الإصابة بالعدوى. وقالت “نحن لا نخصص فترة محددة لذلك، لكننا قدرنا أنه لمناوبة من سبع ساعات، يمضي الموظف بين 40 و50 دقيقة فقط مرتديا الملابس الواقية”.

وأضافت “من حيث غسل اليدين وتطهيرهما، نحن نتحدث عن 60 إلى 75 دقيقة في اليوم”. وتابعت “لا يمكن أن تمرض الطواقم الطبية لأن ذلك لن يكون عادلا”.

يذكر أن تونس أرسلت بعثة طبية تونسية تضم سبعة أطباء وممرضين، بهدف دعم البلد الذي يعاني من تفشي فايروس كورونا المستجد، رغم “تواضع الإمكانيات” الصحية التونسية، وفق ما ذكر بيان لرئاسة الجمهورية التونسية.

وينتمي الأطباء والممرضون المتطوعون إلى الجهاز الطبي العسكري، وهم متخصصون في الإنعاش والتخدير والأمن البيولوجي.

وفي الولايات المتحدة، اشتكت جودي شيريدان – غونزاليس رئيسة جمعية الممرضات في ولاية نيويورك من نقص معدات الحماية للعاملين الطبيين.

وقالت في احتجاج خارج أحد المستشفيات “ليست لدينا الأسلحة والدروع لحماية أنفسنا من العدو”.

وأخبر بيني ماثيو، وهو ممرض يبلغ من العمر 43 عاما في نيويورك، أنه أصيب بالفايروس بعدما قام برعاية أربعة مرضى على الأقل من دون ملابس طبية واقية. وبعد ذلك بقليل، عندما انخفضت حرارته، طلب منه المستشفى أن يعود إلى العمل.

وتابع “قالوا لي إذا لم تكن حرارتك مرتفعة يمكنك العودة إلى العمل، وكان ذلك المعيار الوحيد بالنسبة إليهم”.

وأضاف “قيل لي أن أضع قناعا وآتي إلى العمل. ليس لدينا ما يكفي من الموظفين لذلك أعتقد أنه كان واجبي أن أعود. لكنني كنت قلقا من أن أنقل المرض إلى زملائي والمرضى الذين ليسوا مصابين به”.

كوابيس مرعبة
اعتاد الأطباء في مستشفى “سان لازارو” في مانيلا، وهو مركز مخصص للأمراض المعدية، على محاربة أشد الأمراض المعدية، لكنهم لم يروا أي شيء مماثل لفايروس كورونا.

وقال الطبيب فيرديناند دي غوزمان البالغ من العمر 60 عاما ويعتبر من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفايروس “إننا نعيش كابوسا حقيقيا”.

ومع وجود عدد محدود من غرف العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي، يضطر الأطباء إلى اتخاذ أحكام مروعة.

وأضاف “نحن لا نحب أن نلعب دور الله. على الأطباء أن يتخذوا القرارات فقط”.

ويخشى الكثيرون من العودة إلى المنزل بعد انتهاء المناوبة. وأوضح الطبيب “نحن نخاف على عائلاتنا”.

ويعترف روجيه إيتوا، وهو طبيب في الكاميرون، وهي من أكثر الدول تضررا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بأن الخوف من الإصابة بالمرض يؤثر أيضا على العاملين في مجال الرعاية الصحية.

وقال إيتوا البالغ 36 عاما، “أعيش مع زوجتي وأولادي. عندما أصل في المساء أهرع إلى الاستحمام، ومن الصعب جدا أن تمنع الأطفال من القفز عليك”.

وإيتوا مدير مركز للرعاية الصحية في دوالا عاصمة الكاميرون. وكإجراء وقائي، بدأ بتناول عقار الكلوروكين الخاص بمعالجة الملاريا. وتابع “نحن خائفون مثل بقية السكان. نخشى ألا نكون قد ارتدينا أقنعتنا وبدلاتنا بشكل صحيح عندما نتعامل مع مريض تظهر عليه أعراض الفايروس”.

وأضاف “من الواضح أننا خائفون من الإصابة به. عندما تستيقظ في الصباح وتعاني من بعض الصداع تسأل نفسك، ماذا لو كنت مصابا بالفايروس؟”.

ووصف أنطونيو ألفاريز، وهو ممرض في وحدة العناية المركزة في “فال دي هيبرون” أكبر مستشفى في برشلونة، المهمة اليومية المتمثلة في الاتصال بأحد أفراد العائلة لوداع الأحباء من وراء الزجاج الواقي، بالمفجعة.

وقال هذا الشاب البالغ من العمر 33 عاما “من الصعب رؤية مرضى وحيدين وليست لديهم عائلة معهم”.

وأضاف “إنهم يودعونهم من الباب وقد تكون هذه المرة الأخيرة التي سيرون بعضهم بعضا فيها” بعد حظر إقامة مراسم الجنازة.

وتابع “إذا كان المريض من أفراد عائلتي، لن أتمكن من رؤيته من خلف الباب… إنه موقف صعب جدا”.

حرب شرسة
قال نوري أيدين مدير كلية سيرابباسا للطب في جامعة إسطنبول، “يعمل الجميع بشكل جنوني، كأنها حرب”.

وأضاف خلال زيارة للمستشفى “الجو هنا ليس مثل مكان عمل عادي بل كأنه ساحة معركة”.

ينام العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الفنادق أو عنابر نوم مخصصة للطلاب خوفا من إصابة أسرهم بالفايروس. ولفت أيدين إلى أن “ما يفعلونه هو عمل جبار”.

وأعلنت مجموعة من الأطباء السوريين المقيمين في ولاية غازي عنتاب التركية استعدادهم للعمل كمتطوعين لمواجهة وباء فايروس كورونا.

ويقوم أعضاء مجموعة مؤلفة من 12 طبيبا سوريا، بقياس درجات الحرارة للأتراك والمقيمين عند مداخل ومخارج مدينة غازي عنتاب وإحالتهم إلى المستشفيات إذا لزم الأمر.

قال الطبيب السوري نبيل العبدي إنه جاء من حلب قبل 3 سنوات، وعمل في قطاعات طبية مختلفة في غازي عنتاب.

وأضاف العبدي أنه الآن يضطلع بعمل أكثر أهمية في مجال دعم جهود وقف انتشار فايروس كورونا، وأنه يشارك زملاءه في دعم التدابير المتخذة لمنع انتشار الوباء، موضحا “نأمل أن تصبح هذه الأيام من الماضي وأن نتغلب على الوباء”.

توماس كيرشنينغ هو طبيب ومنسق للعناية المركزة في مدينة مانهايم الألمانية قرب الحدود مع فرنسا. وأرسلت المدينة أخيرا مريضين فرنسيين من كولمار يبلغان 64 و68 عاما إلى وطنهما، بعد رعايتهما. وقال توماس “كان محفزا جدا للفريق الطبي كي يتمكن من المساعدة”.

يشعر الطبيب ببعض التوتر عند العودة إلى المنزل ومقابلة زوجته وابنتيه. وأوضح “أفعل كل ما بوسعي للتأكد من عدم نقل أي عدوى عندما أعود إلى المنزل”.

وتابع “قد لا نقترب من بعضنا البعض مثلما كنا نفعل عادة قبل هذا الوباء. نحن قلقون بعض الشيء، عائلتي قلقة بشأني وأنا قلق أيضا على عائلتي”.

وأكد الطبيب الفلسطيني المقيم في برلين أحمد عاشور، أن جميع الأطباء وطلاب أقسام كليات الطب العرب يقومون بتأدية واجبهم الإنساني في تقديم العلاج ومساندة النظام الصحي الألماني في علاج المصابين بفايروس كورونا.

وأضاف “توجد خطورة كبيرة على الأطباء بشكل عام نتيجة اختلاطنا مع المصابين بالفايروس، ولكن هذا هو واجبنا وعملنا ويجب علينا القيام به وإنقاذ أرواح حياة الآلاف”.

ويواصل الجيش الأبيض دوره الإنساني بعد أن رفع الأطباء شعار “لا وقت للنوم”، “ونحن تركنا منازلنا لأجلكم فابقوا في منازلكم لأجلنا”.

المصدر: العرب اللندنية

زر الذهاب إلى الأعلى