ماذا يحدث للمجتمعات عند تعرّضها لوباء مفاجئ؟
واجهت المجتمعات الإنسانية -عبر التاريخ- بعض الأوبئة التي انتشرت على نطاق واسع، وأصابت أعدادًا هائلة من البشر، وأودت بحياة الملايين في فترة زمنية قصيرة. وقد أثّرت هذه الأزمات على الأفراد الذين عاشوا هذه الخبرة الاستثنائية، إذ غيّرت جانبًا من اتجاهاتهم القِيمية، وأثارت لديهم العديد من الأسئلة الوجودية التي لا إجابات لها، بل وتركت في بعض الحالات تأثيرات على التركيبة النفسية لأجيال كاملة، والتي وإن استطاعت النجاة البدنية من الوباء، فإنها لم تتعافَ من آثاره النفسية والاجتماعية.
وتظل هذه الخبرة عالقة في الضمير الجمعي للمجتمعات ومكوِّنًا أساسيًّا لتاريخه، مثلما ترسخ وباء الطاعون، أو “الموت الأسود” في التاريخ الأوروبي. وعكست العديد من الأعمال الأدبية الخبرة الإنسانية للمجتمع الأوروبي خلال هذه الفترة، والتي لا تزال قائمة في المجال العام الأوروبي حتى بعد مرور مئات السنوات. فالأوبئة مثلها مثل خبرة الحروب بالنسبة للمجتمعات، حيث تشهد تغيرات جذرية في نمط حياتها اليومية، وتتبدل ملامح الحياة، وتنتهي التجربة بخلق معانٍ وقيم وأفكار وأنماط مختلفة للحياة الإنسانية.
ولاحظ علماء النفس الاجتماعي (Social Psychology)، وعلماء الاجتماع، أن ثمة أنماطًا سلوكية ونفسية جماعية ارتبطت بأوقات الأوبئة، مثل: الطاعون، أو وباء الإنفلونزا الإسبانية، فضلًا عن ارتباطها بانتشار أمراض مثل الإيدز لأول مرة بين بعض المجموعات، وهو ما دفع إلى دراسة أنماط استجابات المجتمعات خلال أوقات انتشار الأوبئة، وظهر في هذا الإطار مفهوم “سيكولوجيا الأوبئة” (Epidemic Psychology).
ويُعنَى هذا القسم من العلوم الاجتماعية بدراسة سلوك المجتمعات مع تفشي الأوبئة. فتحت تأثير الأوبئة، تشهد المجتمعات موجات من الخوف الجماعي، كما تحدث ثورة في التفسيرات المرتبطة بأسباب هذه المعاناة الجماعية جراء الوباء، وتتسبب في موجة من التناقضات القيمية، وزخم من السلوكيات والاستراتيجيات ومحاولات بائسة لمواجهة الوباء، خاصة وأن الأوبئة بطبيعتها تعد أمراضًا “جديدة” لا تتوفر بشأنها معلومات أو توقعات بكيفية انتشارها ومكافحتها، وبالتالي لا يوجد بالضرورة علاج لها. وكلّما كان الوباء خطيرًا من حيث تداعياته، زادت المدة الزمنية بلا علاج واضح، وكانت المساحة متروكة للاجتهادات الفردية والاجتماعية، والتمسك بأي أمل في الخلاص، حتى وإن كان ذلك يتمثل في ممارسات غير منطقية بالمطلق.
ويركز المقال التالي على الملامح السيكولوجية الاجتماعية التي ظهرت في المجتمعات خلال فترات الأوبئة، من واقع الخبرات التاريخية السابقة، وليس بالضرورة أن تقع هذه الظواهر جميعها أو بنفس النمط في الأزمة الحالية.
سقوط “العقلانية الهشة” الحاكمة للتفاعلات اليومية:
على عكس الفكرة السائدة التي سادت لعقود، خاصة في علم الاقتصاد، التي تتأسس على “عقلانية” الإنسان، وافتراض اتخاذه قرارًا منطقيًّا، وبالتالي القيام بسلوكيات رشيدة، ظهر في السنوات الأخيرة لدى علم الاقتصاد فرع جديد يُعرف بعلم الاقتصاد السلوكي، الذي يؤكد على جانب كبير من اللا عقلانية في سلوكيات الفرد، خاصة في بعض الأوقات. وأكد على وجود تحيزات ترتبط بمشاعر الفرد، خاصة القلق أو الخوف أو الشعور بالضغط.
وتُشير سيكولوجيا الأوبئة إلى وجود طبيعة مزدوجة للسلوك الإنساني، حيث يغلف بقشرة من العقلانية تُخفي اتجاهات وتحيزات لا منطقية. وفي الأوقات الطبيعية، يتمكن غالبية البشر من الحفاظ على قدر من العقلانية بطريقة أو بأخرى، غير أنه في الأزمات تأخذ اللا عقلانية بزمام الأمور، ويدفع الخوف والقلق والارتياب الفرد نحو سلوكيات متناقضة غير منطقية تشبه في بعض الأحيان مطاردة الساحرات، ويستعيد الفرد نمطًا أشبه بالحياة البدائية غير المتحضرة التي تحركها المشاعر والاحتياجات البدائية حتى تسيطر على الفرد تمامًا.
وفي الإطار نفسه، يؤكد عالم الاجتماع “شوتز” (Schutz) أن هذه “العقلانية الهشة” تحكم في الأوقات الطبيعية ملامح الحياة اليومية، وهو ما أطلق عليه الروتين، فالحياة اليومية للأفراد والمجتمع عبارة عن روتين، بما يتضمنه ذلك من أنماط معروفة من التفاعلات والعلاقات والتوقعات وحلول مسلم بها، تم اختبارها من قبل في مواقف الحياة العادية، وهو ما يشكل واقع الحياة المشتركة، غير أن هناك بعض الأحداث التي تخرج تمامًا عن هذا الروتين، وتتحدى معطياته وحلوله الجاهزة، وفي هذه الحالة تكون الاستجابة لهذا التهديد عبارة عن موجات من الفزع تُغيّر ممارسات الحياة اليومية، وقد يزداد الأمر سوءًا.
حيث تتغذى هذه الحالة على نفسها وتتضاعف وتؤدي إلى الانهيار بدلًا من الحل. ومن الأمثلة البسيطة على ذلك، ما نشهده في سياق الأزمة الحالية من هلع الشراء، الذي قد يؤدي -في حد ذاته- إلى التسبب في الأزمة التي يتحسب لها الأفراد. فعلى الرغم من قدرة بعض الحكومات حاليًّا على السيطرة على سلوكيات الأفراد فيما يخص اتجاهات الشراء لبعض الوقت في بداية انتشار الأوبئة، فإنه مع طول مدة الأزمة وشعور الفرد باقترابه منها، وإمكانية حدوث نقص في بعض السلع غير الضرورية، فإن هذا الأمر قد يدفع الأفراد إلى المبالغة في الإقبال على تخزين سلع غير ضرورية، خوفًا من اختفائها من الأسواق، وهنا لا يتصرف الأفراد وفقًا للحسابات المنطقية، بل هم مدفوعون دفعًا بانفعالاتهم ومشاعرهم.
مخاوف العيش في ظل “المجهول”:
أثناء انتشار الأوبئة لا يواجه الفرد مخاطر انعدام اليقين (Uncertainty) المرتبط باحتمالات إصابته بالمرض من عدمه؛ بل إنه يواجه عبئًا أثقل مرتبطًا بحالة كاملة من المجهول (The Unknown)، وهو ما يتسبب في تصاعد مشاعر الخوف والقلق مقارنة بالأمراض العادية، والتي قد تكون أكثر خطورة على حياة الفرد مقارنة بالوباء إذا أصاب الفرد. ولذلك لا ترتبط هذه الحالة بالمصابين فقط، بل إنها تشمل المجتمع كله بدرجة أو بأخرى، فهي حالة مرتبطة بسرعة انتشار الوباء، وعدم وجود القدرة على توقع متى وكيف ينتهي الوباء، ولا يوجد سقف واضح أو يقين بظهور دواء معالج.
ويُضاف إلى ما سبق الخوف من وقوع الشخص في دوامة الوباء ذاته، إما بنفسه أو بفقدان أحد من المحيطين به، وكلما طالت مدة تفشي الوباء، زاد الضغط على الفرد. وعلى الرغم من أن الوضع الحالي يُعد أفضل من فترات تاريخية مضت، فإن حداثة الوباء ذاته لا تسمح بوجود كم ونوعية المعلومات التي من شأنها بث الطمأنينة، بل إن المعلومات المتوفرة عن الوباء، وسهولة انتشاره، تُعزز المخاوف أكثر بين المجتمعات. وقد يرتبط بذلك عامل ثقة الشعوب في مؤسسات دولها، فكلما كان لدى الشعوب درجة عالية في مؤسسات الدولة وخدماتها كانت هناك قدرة على الاحتواء وتقليل حدة القلق العام وتحجيمه قبل التحوّل لسلوكيات غير منطقية بدافع الخوف.
ويُلاحَظ أنه حتى أكثر الدول المتقدمة قد تتعرض لانتقادات، كما في الحالة البريطانية، والتي ظهرت دعاوى شعبية تتهمها بالتقصير، وعدم اتخاذ إجراءات مبكرة لوقف انتقال المرض إلى داخل الدولة، خاصة من إيطاليا.
ويرتبط بهذه الحالة أيضًا تصاعد الشعور بالشك من كل شيء حول الفرد، والشك في الآخر، في الآخر القريب من أن يكون مصدرًا للوباء، أو الشك المرتبط بظهور العديد من الشائعات، وهو ما يمثل عائقًا أمام ممارسة التفاعلات الاجتماعية، بل وقد يصل نظريًّا إلى حد ما وصفه “هوبز” بحرب الكل ضد الكل.
وفي ظل الأزمة الحالية كان من المفاجئ خطاب رئيس الوزراء البريطاني “جونسون”، الذي أصبح محل انتقاد من الجميع باعتباره يغذي مشاعر القلق والخوف لدى الأفراد، على عكس الخطاب المطلوب في مثل هذه الحالات، حيث طالب الشعب البريطاني بالاستعداد لفراق بعض الأصدقاء والأقارب.
صعود وهبوط أنماط التدين وارتباك القيم:
وفقًا للخبرات التاريخية في أوروبا، لوحظ تأثر منظومة القيم وأنماط التدين لدى بعض الفئات بفترات انتشار الأمراض والأوبئة الأكثر خطورة، حيث يظل الفرد متمسكًا بمنظومة القيم التي تُفسر ما يحدث، وترشده نحو سلوكيات بعينها، مثل الطقوس الدينية أو الخيرية أو غيرها والتي من شأنها تخفيف معاناته بحسب معتقداته وإيمانه، غير أنه مع طول المدة وارتفاع مستوى الخطورة وتفشي الوباء وزيادة الضغط النفسي يرتبك الفرد، ويتشكك في معتقداته وقيمه، وقد يذهب إلى ممارسات ذات صلة بعقائد أخرى لعله يكون خاطئًا فيما يعتقد. ويتساءل البعض -خاصة في الأوبئة والأزمات الطبيعية التي ترتبط بالقدرات الغيبية- لماذا يبعث لنا الإله ما يؤلمنا ونحن نؤمن به؟ مَن الملام فيما يحدث؟ وتظهر تناقضات لدى الأفراد بين الرغبة في الاحتماء بالقيم والدين والمعتقدات الشعبية، وبين شكوكه في قدراتها على نجاة الفرد. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة ميدانية عن سيكولوجيا الأوبئة، إلى تسجيل حالات تحول ديني بين المصابين بمرض الإيدز في التسعينيات.
وعلى النقيض من ذلك، تحفز الأزمات الكبرى والأوبئة -في سياقات أخرى- تصاعدَ التدين والتردد على دور العبادة، وزيادة في ممارسة الشعائر الدينية، أو على الأقل إعادة التفكير في دور الدين، خاصة من الفئات التي لم تكن تمارس هذه الأنماط من التدين. فعلى سبيل المثال، وفقًا لجالوب، منذ الستينيات كانت هناك نسبة أقل من 40% من الأمريكيين يعتقدون أن الدين له أي تأثير على حياتهم، غير أنه بعد حادث انهيار البرجين، وصلت نسبة الأمريكيين الذي يرون أنهم بحاجة إلى الدين إلى 71%.
إعادة إنتاج “التراث الشعبي”:
يُمثّل التراث الشعبي أو الفولكلور، بصفة عامة، مخزونًا ثقافيًّا تُسجل به خبرات الأجيال السالفة في صورة معتقدات ووصفات وحكم وأمثال وروايات وغيرها. وخلال فترات الأزمات بصفة عامة وأوقات انتشار الأوبئة، لا يعلم الأفراد كيفية التعامل مع الوباء وتبعاته، مما يدفع الفرد إلى الاعتماد على ذاته في البحث عن باب للخروج من هذه الدوامة.
ومن أهم المسارات التي يلجأ لها الأفراد عادة في هذه النوعية من الأزمات البحث في معطيات التراث الشعبي، سواء لمحاولة التعامل مع المرض ذاته، فيما يعرف بالطب التقليدي أو الطب الشعبي، أو معطيات التراث التي تبعث على الطمأنينة أو تلك “الحكم” والمقولات التي يبدأ الأفراد بتداولها للتكيف مع الأزمة. ولكل شعب تراثه المرتبط بجملة خبراته الإنسانية، وهويته الدينية ومقدساته وتاريخه.
وفي إطار الأزمة الحالية، أشارت تقارير إعلامية صينية إلى أن 80% من مرضى كورونا في الصين تلقوا علاجًا تقليديًّا، وقد أكد ذلك نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني “شو نانبينغ”، بقوله إن 85% من مرضى كورونا تلقوا مزيجًا من العلاج الدوائي والتقليدي. وبغض النظر عن فاعلية العلاج التقليدي من عدمه على مواجهة الوباء، إلا أنه يؤثر على حالة الفرد، وقد يعطيه بعض التوازن الداخلي المرتبط باعتقاده في فاعلية الوصفة الشعبية.
وعلى جانب آخر، ظهرت ممارسات أخرى مرتبطة بالمعتقدات الشعبية، مثل شرب “بول البقر” في الهند باعتبارها وصفة شعبية ترتبط بمعتقدات دينية، وقد استضافت جماعة هندوسية حفلًا لشرب بول الأبقار السبت في العاصمة الهندية نيودلهي، لاعتقادها أنه يقي من فيروس كورونا المستجد، لأن كثيرين من الهندوس يعتبرون الأبقار مقدسة، ويؤمن بعضهم بأن لبولها خصائص علاجية، بغض النظر عن صحة هذه المعتقدات.
وعلى الرغم من خصوصية التراث الشعبي، إلا أنه في ظل التواصل بفضل التكنولوجيا تتشارك الشعوب الفولكلور ويتم تجريب حلول من تراث شعبي آخر، فنجد الطرق الصينية والهندية وغيرها المرتبطة بالحضارات القديمة من الأكثر انتشارًا عالميًّا.
الانجراف نحو الشائعات وتبني نظرية المؤامرة:
أشار “فرانك سنودين” في كتابه “الأوبئة والمجتمع”، إلى أنه حينما انتشر وباء الكوليرا ظهرت في فرنسا نظرية مؤامرة بأن الوباء معدٌّ من صنع الانسان. وقد انتشرت خصوصًا شائعة تفيد بأن حكومة الملك “لويس فيليب” تضع مادة الزرنيخ في آبار المياه، ومع انتشار الوباء وموت حوالي 19 ألف فرنسي اندلعت موجة عنف ضد الحكومة من قبل الشعب، وبالكاد استطاعت الشرطة التصدي لها؛ إلا أن الحراك والغضب الشعبي لم ينقضِ، وظلت الحكومة متوجسة مما أسمتها حينها “الطبقات الخطرة”، وهي الطبقات الفقيرة التي تأثرت بصورة كبيرة بما حدث، وثارت ضد الحكومة، وهو ما قد يفسر جزئيًّا -وفقًا لسنودين- أحداث “القمع الطبقي” التي شهدتها العاصمة الفرنسية بعد هذا الوباء بسنوات قليلة، وهو ما جاء معاكسًا لحراك الثورة الفرنسية.
فعادةً ما يصاحب الأوبئة وقلة المعلومات عنها، موجة من الشائعات التي يطلقها البعض وينجرف خلفها ملايين على استعداد لتلقي أي شائعة لتفسير ما يحدث حولها. وتعد هذه الفترات البيئة الخصبة لصعود نظرية المؤامرة، ليس فقط بين الشعوب وبعضها، بل أيضًا بين الدول. ولعل الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية دليل على ذلك.
ويزداد الأمر سوءًا مع مواقع التواصل الاجتماعي، فمن ناحية يتم استغلالها من بعض التيارات المتطرفة لاستغلال هذه الأزمة لإثارة الفزع والخوف في المجتمع في محاولة يائسة لإثارة الأفراد عبر تحميل الحكومات بالتقصير في مواجهة الأوبئة. ومن ناحية أخرى، تنتشر عبرها معلومات مغلوطة عن أساليب مواجهة الفيروس، ويتم تداولها على نطاق واسع، وأحيانًا تضر هذه المعلومات بالأفراد العاديين الذين ينساقون وراءها، ومن ذلك ما نشرته صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” حول قصة امرأة اضطرت لتلقي العلاج في المستشفى بسبب تعرضها لالتهاب شديد في الحلق بعد تناولها 1.5 كلجم من الثوم.
الوصم الإثني:
ترتبط بعض الأوبئة ببعض الإثنيات التي تظهر فيها لأول مرة ثم تنتشر بعد ذلك، وأحيانًا تتعرض هذه الإثنيات إلى استبعاد أو تمييز أو وصم. ومن الأمثلة على ذلك ظهور مصطلح “الكورونوفوبيا” الذي ابتدعه البعض لتجسيد حالة الخوف من كل ذوي الملامح الآسيوية وليس الصينيين فقط، وذلك على الرغم من فساد الربط بين العرق وانتشار الأوبئة، وعدم منطقيته. وبرزت في المنطقة العربية مؤشرات على انتشار هذا السلوك، كما في التعليقات “السلبية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، بل وانصرفت أحيانًا إلى الواقع العملي.
كما نشر طالب صيني يدرس في الجامعة اللبنانية فيديو يتحدث فيه بعربية فصحى عن معاناته من الممارسات العنصرية في الشارع اللبناني بعد انتشار فيروس كورونا المستجد، وكيفية تجنب الناس له، وأحيانًا تعرضه للإساءات اللفظية.
تصاعد الشعور الجمعي وظهور المبادرات الاجتماعية:
في حالة الأزمات، تقل الفجوة بين الفرد والمجتمع، حيث يرتبط مصير الفرد بمصير المجتمع ككل، ويَظهر نوعٌ من الشعور الجمعي والتضامن بين أعضاء المجتمع الذي يعاني من تهديد واحد في نفس الوقت، وقد ظهرت مشاهد في دول انتشار فيروس كورونا المستجد الحالي لسكان بعض الأحياء الذين يتواصلون بالغناء أو التصفيق أو الدعاء في اللحظة ذاتها، والتواصل عبر النوافذ لدعم بعضهم بعضًا، وتحفيز أنفسهم على مواصلة المواجهة والحفاظ على التوازن وبث مشاعر الأمل والتضامن. وعلى الجانب الآخر، تحفز هذه الأوقات المجتمع على خلق أفكار ومبادرات للمساعدة في الوضع الحالي، ومن ذلك ما قام به مهندس إيطالي بشركة للطباعة باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد بتصميم وطباعة صمامات تنفس لصالح مستشفى في إيطاليا نفد مخزونها من هذه الأدوات الطبية.
أخيرًا، تُعد الأوبئة من الخبرات الاجتماعية التي تترك تأثيرات طويلة المدى، وتظل انعكاساتها لسنوات، وقد تساهم في تطوير أو تغيير الملامح الاجتماعية للدول، خاصة مع زخم التفاعلات التي تصاحب فترة وجود الوباء. وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية التي يمر بها العالم تأتي في سياق مغاير تمامًا للأزمات المشابهة التاريخية، حيث تلعب الحلول التكنولوجية عاملًا في ظهور حلول مبتكرة، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي عاملًا مركبًا آخر بين نشر الوعي والشائعات وتخفيف حدة “التباعد الاجتماعي” الذي يطبق حاليًّا؛ فإن الفترة القادمة سوف تشهد ظهور سلوكيات وتوجهات جديدة استجابة للوضع الحالي.
المصدر: المستثبل للأبحاث والدراسات المتقدمة