نحن والأوبئة القادمة

القول إن الأوبئة تكون أكثر مقاومة من إرادة الإنسان، غير صحيح، فإرادة الإنسانية أقوى وأقدر على التحدي.

قاعدتنا في مواجهة المشكلات أن يكثر الصراخ، ويقل العمل، وهذا ما يحدث تماماً عند الحديث عن انتشار فيروس «كورونا»؛ حيث لا تزيد مواقفنا على إثارة المخاوف ثم لا شيء بعد ذلك. وقد تكرر هذا الأسلوب حتى صار عادة متبعة تجاه كل ما يحدث.

وللأسف المواجهة العملية تتأخر أو قد لا تأتي على الإطلاق. ومن هنا ضاق الناس بكثرة الكلام، واعتبروه نقصاً في كمال الإنسان، وفي مواجهة ما يهمه من الأخطار الداهمة، وقد قيل قديماً، إن الإنسان كان يواجه مشكلته بالعمل وحده، ثم صار بالقول وحده، ويُخشى أن يأتي وقت لا يواجه فيه الإنسان مشكلاته لا بالعمل ولا بالقول، وكأنه يشير إلى هذا الوقت الذي ليس فيه أي قول أو عمل؛ نظراً للسلبية المطلقة التي نواجه بها ما يستجد في حياتنا من مشكلات صغيرة أو كبيرة. فمتى يستيقظ الوعي الكامل فينا، وتنطلق المواجهة الفعلية، ونتحرر من سلبية المواقف؟ ذلك سؤال مطروح في حياتنا منذ وقت طويل، وهو لا ينتظر الجواب، بقدر ما ينتظر الفعل.

وقد قيل كثيراً إن الوقت يمر، وإن المشكلات تتوالى وتتزاحم إلى أن يأتي وقت أكثر سلبية من هذا يكون معه البحث في هذه المشكلات ضرباً من المستحيل. وهذا – كما سبقت الإشارة – يتجلى في مواجهتنا لفيروس «كورونا»، الذي بات يهدد نصف الكرة الأرضية. والغريب أن العلم – وقد وصل درجة عالية من الإدراك للمخاطر واكتشاف اللقاحات المضادة للفيروس- يقف بالنسبة لنا حائراً، وكأنه لم يبدأ طريقه بعد، وسنحاول قدر الإمكان ألا نغلق الأبواب، ونجعل المجابهة مستحيلة، فسنطلق باب الأمل، ونجعله مفتوحاً لا يقبل الإغلاق. الإنسان بإرادته القوية قادر على تحويل أوضاعه الراهنة من حال إلى حال، ولا ينقصه أي شيء غير العمل والعمل والعمل، أولاً وثانياً وثالثاً..

ويلاحظ أن الشعوب المتقدمة لم تركن إلى ما وصلت إليه من قدرات على المواجهة؛ بل إننا نراها تسعى إلى تطوير المقومات، وعدم الاستسلام، والثقة بمقدرتها على المواجهة؛ لذلك فالإنسان ينطلق من جهاد أصغر إلى جهاد أكبر، ويسعى إلى أن يتحرر مادياً من كل المؤثرات والسلبيات في حياته وحياة من يشاركونه الواقع في وطنه.

سنظل نقاوم ونواجه كل ما من شأنه إعاقة خطواتنا نحو مواجهة المخاطر صحياً وثقافياً وفكرياً. وأملنا في النجاح كبير، والمهم – في هذا المجال- الخطوة الأولى والتي ستتبعها خطوات، وإذا كنا على ثقة من صحة البداية، سنكون أكثر ثقة من صحة النهاية. ولابد من تأكيد أن مقاومة أي وباء، لا تتوقف على الجهود السياسية، وإنما على جهودنا جميعاً نحن كمواطنين قد نتعرض لمعاناة الأمراض، وما تتركه في حياتنا من قلق وخوف. ومهما كانت المعوقات، فإن إرادة الإنسان أقوى وأقدر على التحدي، ومواجهة كل ما يستجد.

القول إن الأوبئة أكثر مقاومة من إرادة الإنسان، غير صحيح؛ فإرادة الإنسانية أقوى وأقدر على التحدي في كل الظروف والأحوال. هكذا تعلمنا، وهكذا عرفنا من تجارب الحياة التي مررنا بها، ومرت بنا، وما من قوة مهما كانت كبيرة، قادرة على تحدي إرادة الإنسان في عنفوانها واقتدارها، وفي تفوقها وتغلبها على ما يعترض طريق الإنسان من معوقات تكررت أكثر من مرة أيضاً.

المصدر: الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى