كيف يهدد فيروس «كورونا» سمعة الرئيس الصيني؟

يتابع العالم بقلق انتشار فيروس كورونا المستجدّ السريع داخل الصين وخارجها، ويستعد لمواجهة تداعياته الصحية والاقتصادية العابرة للحدود، والتي تجسّدت في تراجعٍ حاد في الأسواق الصينية صباح الإثنين 3 فبراير 2020. وفيما تتضافر الجهود الدولية لطمأنة الأسواق والحد من انتشار الفيروس، تسارع بكين لتأكيد سيطرتها على الوضع واستباق تداعيات سياسية قد تلحق ضررا بسمعة البلاد ورئيسها شي جينبينغ على المدى الطويل. فهل يهزّ كورونا الجديد صورة الرئيس الصيني؟

بنى شي لنفسه، في السنوات القليلة الماضية، صورة «رجل الصين القوي». فقاد داخلياً سلسلة تغييرات سياسية هيكلية، وألغى الحد الأقصى للولايات الرئاسية، وأزاح عدداً من المسؤولين البارزين في الحزب الشيوعي الحاكم بتهم الفساد أو سوء استغلال المنصب، كما عزز «المعجزة الاقتصادية» مع اعتماد «رأسمالية بغلاف شيوعي صيني» جعلت من بكين أبرز منافس للعملاق الأميركي. أما على الساحة الدولية، فقدّم شي نفسه كمدافع شرس على التعاون متعدد الأطراف والتجارة الحرة، وحتى مكافحة التغير المناخي.

ويرى البعض في هذه الاستراتيجية مغامرة سياسية قد تكون تداعياتها وخيمة على سمعة شي، أو تؤتي ثمارها فتعزّز دوره كقائد قوي في المجتمع الدولي.

وبمجرّد أن أعلنت الصين، الشهر الماضي، اكتشاف نوع جديد من فيروس كورونا، برزت مخاوف من تعاملها معه كما تعاملت مع انتشار فيروس سارس (وهو نوع آخر من كورونا، أدّى إلى وفاة أكثر من 700 شخص عبر العالم) بين العامين 2002 و2003. واتُّهمت بكين آنذاك بالتكتم على انتشار الوباء في الداخل، ما أدّى إلى تأخير الرد الدولي لاحتوائه ومعالجته. وردّت السلطات الصينية عبر طرد حوالى 100 مسؤول رفيع، بينهم وزير الصحة ورئيس بلدية بكين.

في المقابل، أشادت منظمة الصحة العالمية هذه المرة بالإجراءات الصينية. وقال مسؤول كبير، الأسبوع الماضي، إن المنظمة راضية تماماً عن مواجهة الصين لتفشي فيروس كورونا على مستوى العالم حتى الآن، وأضافت أن العالم وصل إلى مرحلة حرجة في الجهود الرامية إلى التصدي للمرض. وقال مايك ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة والذي رافق رئيس المنظمة تيدروس أدهانوم في زيارة للصين قبل أيام: «يتخذون إجراءات استثنائية في مواجهة ما أصبح تحديا استثنائياً». وأضاف، وفق «رويترز»: «نحن في منعطف مهم في هذه المسألة. نعتقد أن حالات انتقال المرض هذه يمكن إيقافها».

إلا أن هذه الإشادة لم تكن كافية لطمأنة المجتمع الدولي، فألغت شركات طيران عدة رحلاتها إلى الصين، وفرضت دول كبرى مثل الولايات المتحدة حظراً على دخول الأجانب الذين زاروا الصين في الأسبوعين الماضيين. كما تعزّزت المخاوف بعدما ذكرت تقارير إعلامية أن الحكومات المحلية الصينية، خاصة في إقليم هوباي حيث ظهر وانتشر الوباء، تكتّمت في البداية على معلومات أساسية. وقد قدّم رئيس بلدية مدينة ووهان المعزولة استقالته بعدما اعترف بفشل السلطة المحلية في الإفصاح عن المعلومات اللازمة حول الفيروس الجديد في الوقت المناسب وفق الإعلام الصيني المحلي، كما عُوقب أكثر من 300 مسؤول من مختلف القطاعات لسوء تعاطيهم مع الأزمة الصحية، كما نقلت «بلومبيرغ».

ورغم اعتراف بعض الجهات المحلية بسوء معالجة الأزمة عند اندلاعها، تسلط بكين الضوء على الإجراءات السريعة التي اتّخذتها لاحتواء الفيروس في الداخل ومنع انتشاره في الخارج. فقد عزلت الصين أكثر من 56 مليون شخص في إقليم هوباي ومدن أخرى (أكثر من عدد سكان إسبانيا) لمنع انتشار الوباء، ومنعت تنقلهم إلى الخارج. كما بنت مستشفى يضم 1000 سرير في وقت قياسي، وتعمل على إنهاء آخر هذا الأسبوع.

إلى ذلك، أشادت جهات دولية بشفافية نقل المعلومات، إذ تعقد السلطات الصينية مؤتمرا صحافيا يوميا لإبلاغ الصحافة المحلية والأجنبية بحصيلة الانتشار والوفيات. وأعلنت متحدثة باسم الخارجية الصينية، في خطوة جديدة، حاجة بلادها الملحّة لأقنعة طبية، وبزات ونظارات وقاية.

في المقابل، حملت بكين بشدة على الولايات المتحدة، واتّهمتها بنشر الخوف بدلا من تقديم مساعدة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ اليوم إن الولايات المتحدة كانت أول دولة تقترح السحب الجزئي لموظفي سفارتها، والأولى التي فرضت حظر سفر على الصينيين. وأضافت هوا في إفادة صحافية عبر الإنترنت: «كل ما فعلته يمكنه فقط زرع الخوف ونشره، وهو ما يعد مثالاً سيئاً». وتابعت أن الصين تأمل أن تصدر الدول أحكاماً وتتصرف بمنطق وهدوء وتستند إلى العلم.

ومع اتّساع انتشار السريع للإصابات، يصعب تقدير حجم الخسائر الاقتصادية في الصين وخارجها، وتأثير كورونا المستجد على صورة الصين ورئيسها. ويقول سكوت كينيدي، خبير الاقتصاد الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن لـ«بلومبيرغ»، إنه إذا سارت الأمور على ما يرام، ولم يلقّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلا الحد الأدنى من التداعيات، فسيتم تعزيز نموذج شي السياسي. أما إذا تفاقم الوباء، وتأثر الاقتصاد بشكل أكبر مما هو متوقع، فإن اللوم سيوجّه إلى الرئيس الصيني.

المصدر: الشرق الأوسط

زر الذهاب إلى الأعلى