لماذا يرفض الإصلاح تنفيذ اتفاق الرياض؟

لم تلتزم المليشيا الحوثية الموالية لإيران بأي بند من اتفاق السويد الذي وقعته مع الحكومة اليمنية في 13 ديسمبر 2018، فيما يخص الانسحاب من الحديدة وموانئها الاستراتيجية.

وإلى جانب خرقها اليومي للهدنة الأممية في الحديدة، فإن المليشيا الحوثية صوبت قوتها على جبهات متتالية، وتعمل على إسقاطها، كما حدث مؤخرًا في معارك شرقي صنعاء ومحافظتي الجوف ومأرب، وهي إستراتيجية إيرانية خطيرة على اليمن والأمن الإقليمي، سواء كان ذلك حربًا خاضته المليشيا أو تسلمته باتفاق مع الإصلاح.

ففي الحالة الأولى، الهجوم الحوثي على مناطق نهم ( شرق العاصمة صنعاء) ومحافظتي مأرب والجوف، كشف أن جماعة الإصلاح (إخوان اليمن) كانت تعمل على استنزاف التحالف العربي، من خلال جيش وهمي على ورق لا وجود له على الأرض، وهو ما بات من الضرورة العمل على تنفيذ اتفاق الرياض لإعادة ترميم الحكومة اليمنية وهيكلة الجيش الوهمي.

وهذا ما كشفه وزير الدفاع اليمني، محمد علي المقدشي في 20 إبريل 2019، عندما تحدث في كلمته التي ألقاها “في المؤتمر الثالث لأركانات القوى البشرية في القوات المسلحة، عن وجود 30 بالمائة فقط من القوة البشرية في الجبهات، بينما 70 بالمائة من منتسبي الألوية والوحدات العسكرية يتواجدون في منازلهم.

الأفعال والهجوم الحوثي، لم يكلف الحكومة اليمنية الضعيفة، نفسها من التحرك الفعلي على الأرض لإيقاف التمدد الإيراني أو تحريك الجبهات الممتدة على طول اليمن، بالرغم مما تتلقاه من دعم عسكري ومادي من قبل التحالف العربي، وهو ما سمح للمليشيا الحوثية أن تتحين الفرص وتتحول من الهجوم إلى الدفاع.

غير أن وزيرا الخارجية والإعلام والمتحدث الرسمي للحكومة، قالوا، إن المليشيا الحوثية الموالية لإيران، نسفت العملية السياسية، برمتها، وقال وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، إن بقاء اتفاق ستوكهولم لا يرى فيه أي جدوى، وهي تبدو محاولة منه لتخويف وترهيب بالقوة الحقيقية المتواجدة في الساحل الغربي.

وفي الحالة الأولى أيضًا، الحكومة اليمنية، تستطيع أن تحرك جيشها الجرار الذي حركته نحو العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، إلى جبهات أخرى تحتلها المليشيا الحوثية، كتعز، وإب والبيضاء وصعدة وصرواح وتتقدم نحو العاصمة صنعاء، لكنها خوفت المليشيا الحوثية بالقوة المتماسكة في الساحل الغربي وتصرح ” أن الحوثيين نسفوا العملية السياسية”، وحاولت أن تبتز مارتن غريفيث أيضًا بالحديدة، وهو ما يشير إلى ضعف الإستراتيجية وصناعة القرار السياسي في الحكومة اليمنية.

اتفاق تركي قطري إيراني
وفي الحالة الثانية (تسليم واستلام) لا يبدو، أنها ( أي حكومة الإصلاح) غير مستعدة لأن تحنث يمينها وعهودها التي أقسمت وعاهدت ( تركيا وقطر وإيران في اجتماع مايو 2018) على أن تفشل التحالف العربي، وتشوه دوره في اليمن خدمة للمليشيا الحوثية الموالية لإيران، بهدف إنجاح إستراتيجية إيرانية أشمل تسطيع من خلالها الهيمنة على الديار المقدسة في مكة والمدينة.

ففي الثالث من مايو 2018، اجتمع مسئولي هذا الملف (في إيران وقطر وتركيا) مع موجهي وسائل الإعلام التابعة لهم ونشطائهم السياسيين وكتائبهم الالكترونية ومسئولي المواقع الالكترونية، وخلصوا إلى عدد من التوجيهات.

الأول تكليف مواقع وصحف عربية ويمنية ودولية عاملة مع الإخوان المسلمين تدعمهم قطر بالمال الضخم، بنخر وعي الشعب اليمني وإيهامه أن الإمارات هي قوة احتلال ولها مطامع في اليمن والتشكيك بقوات المقاومة، وبعدها يتم توجيه ذات التهم للملكة العربية السعودية، وهو ما لمسنا ذلك خلال الفترة الماضية.

الثاني: العمل على اختراق المقاومة الجنوبية المتمثلة بتعيين صحفيين ميدانيين لهم، لسببين..

الأول تزويد الحوثيين بإحداثيات من أجل ضربها بصواريخ بالستية واتهام بعض العسكريين التابعين لقوات المقاومة بالخيانة..

والثاني اختلاق معارك جانبية وهمية بين القوات المشتركة، لتشتيت أنظارهم على المعركة الأصلية وهي تحرير اليمن، وهذا ما لمسناه أيضًا خلال الفترة الماضية، من خلال محاولات بث الشائعات عن معارك بين المقاومة الوطنية والأولية التهامية تارة، وتارة بين المقاومة الوطنية والألوية التهامية، لكن هذا الجزء فشل بسبب الوعي الكبير لدى قيادات وأفراد القوات المشتركة، ويثبت أيضًا أنهم مخلصين في أعمالهم من أجل وقف التمدد الإيراني بل وقطع دابره، على عكس الإخوان المسلمين الذين اتخذوا من هذه الحرب وسيلة للتربح والتجارة في الأسلحة.

الثالث: الانسحاب من بعض المناطق في تعز وتهدئة الأوضاع عسكريًا في كل الجبهات المشتعلة من أجل منح الحوثيين فرصة للدفاع عن الحديدة، إضافة إلى تحريض الشعب اليمني من خلال المساجد أهمية حشد المقاتلين من أجل الدفاع عن اليمن من احتلال إسرائيلي وأمريكي وشيك ( يتهمون اليمنيين بأنهم أمريكيين وإسرائيليين لتزييف وعي الشعب)، وصل بهم الأمر لتسليم نهم ومناطق في مأرب والجوف.

ماهو العمل؟
اللعبة التي يلعبها حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وبتوجيهات قطرية إيرانية، لن ينجح فيها، بل يكشف حقيقته (لدى الشعب والتحالف العربي الذي وضع كل ثقله عليه خلال سنوات حرب التحرير الأولى)، أن الإخوان المسلمين غير جادين في هذه الحرب، من جانب، ومن جانب آخر، ستكون نتائج ذلك عكسية ليس ضدهم فحسب، وإنما على التحالف والشعب اليمني والمنطقة، وهو ما يجب أن تتغير إستراتيجية التحالف العربي بشكل كلي تجاه هذا الحزب البرامغاتي.

من أجل تحريك المياه الراكدة، والعودة إلى تحقيق أهداف التحالف العربي في اليمن، لابد من أن يتم التسريع من تنفيذ اتفاقية الرياض، لكونها الضامن الوحيد الآن، لأن تعيد تصويب الهدف الحقيقي نحو تحقيق أهداف التحالف واليمنيين في قطع دابر إيران، لكون المعركة الحالية هي معركة الخليج واليمن، وليست معركة اليمنيين وحدهم( نكون أو لا نكون)، وهي معركة مصيرية ستتحدد معالمها بعد انتهائها، إما توسع وحكم إيراني وسيطرة على المنطقة، أو قطع دابره والعيش بأمان واستقلال.

تنفيذ اتفاق الرياض، وفي القريب العاجل، يمنح الجميع حق المساهمة السياسية والعسكرية والمشاركة في التحرير، لا يقصي أحد، لكنه سينهي العمل وفق الأجندة الخارجية التي تريد أن تبقى اليمن كما هي عليه الآن، لا حرب.. لا سلم، وفي نفس الوقت تمنح الحوثيين فرص ثمينة لغرس جذورهم الشيعية الإيرانية على الجيل القادم.

عندما تكون هناك حكومة يمنية قوية، وجيش وطني لا ينتمي إلى حزب عقائدي له أجندة أخرى، سيكون هناك حسمًا عسكريًا وناجحًا لا محالة، ودون أدنى شك سيلقى احترام العالم، ولن يستطيع مارتن غريفيث أو بريطانيا من الوقوف عائقًا أما تحرير اليمن من الاحتلال الإيراني، ولهذا يتم الحديث عن أهمية اتفاق الرياض، وسط معارضة إخوانية له، لكونها تدرك أن الحرب ستنتهي ومعاناة الشعب ستتوقف بعد التحرير السريع لليمن الناتج عن ترميم الحكومة وهيكلة الجيش الوهمي.

——————-

محمود الطاهر
كاتب صحفي ومحلل سياسي متخصص بالشأن العربي

زر الذهاب إلى الأعلى