خطة الإخوان لاستعادة تمكينهم في 2020

كان من أبرز تجليات الصراع الداخلي الإخواني تسريب حمل خطة الإخوان للعام 2020 والتي تم الإعداد لها خلال العام الماضي، عبر تضافر جهود أجهزة التنظيم في الداخل المصري وما يسمى برابطة إخوان مصر في الخارج، قبل اعتمادها من جهاز التخطيط بالتنظيم الدولي، وبدء تأهيل هياكل الإدارة في مستويات عدة لتنفيذها خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي.

يضاف الصراع الخفي إلى مواجهات خارجية يخوضها التنظيم في بلدان عدة، وهو ما يجعل خطة التمكين الجديدة تواجه تحديات متنوعة، خاصة أن القوى التي تستهدفها منتبهة جيدا للتحركات والألاعيب التي تنتهجها الجماعة.

كان كاتب هذه السطور قد شارك في لجان الخطة التنظيمية المختلفة، وآخر المُشاركات خطة التنظيم 2008 – 2012، ثم المشاركة في تطوير الخطة لتتسق مع المُتغيرات بعد بداية الثورة التونسية.

وتقودني هذه الخلفية إلى نتيجة مفادها أن تطور الحضور التنظيمي رغم ما طاله في المهجر، أنتج تحولات في شخصية العضو الإخواني الذي لا يزال يقرأ ما يعرف بدعاء “ورد الرابطة” مع كل غروب، مستحضرا صورة إخوانه في كل الدنيا، كما أوصاه المؤسس حسن البنا.

خطة 2020 تبتغي فتح الأبواب الموصدة

ورغم ذلك بات قادرا في إطار الصراع على تسريب خطة جماعته لأنه خرج من مشهد إدارتها ولا يملك قرارا بالمُعارضة العلنية حتى لا يفقد ميزات يحصل عليها كونه الأخ الذي يسمع ويطيع، لكنه في الوقت ذاته يحمل من المُبررات الشرعية والتنظيمية ما يسوّغ له صنيعه.

تحمل خطة الإخوان للعام 2020 عنوانا هو “خطتنا بناء وتدافع”، بينما تبدأ بتحديد تكليفاتها اختصارا في سطر واحد “إلى جيل العزة والإباء، جيل الشموخ والكبرياء، القابضين على الجمر، رافضي الانحناء بلا وهن ولا انكسار”، ويحيلهم التكليف إلى توصية بعدم التراجع أيّا ما كانت مواقع عملهم، إذ أن رسالتهم هي الثبات لا النصر، “أنتم مطالبون بالغرس لا الثمرة”. عادة ما يتصدر خطط التنظيم الإخواني ما يسمّونه “رفع الواقع”، والذي يتم عبره رصد واقع العالم بعيون قيادات التنظيم، ثم البلاد العربية، قبل أن يسلط الضوء على مصر باعتبارها بلد النبتة، وتُعنون الخطة بـ”رؤية الجماعة للمرحلة”.
أبرز ما جاء في رؤيتها، كان حسم التنظيم لوجوده عالميا، وفشل محاولات القضاء على دعوة الإخوان، استنادا على فشل الدعوات المطالبة بتصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي في بريطانيا والولايات المتحدة حتى الآن. المثير أن خطة التنظيم تعترف بأن هذا الإجراء حال نجاحه لن يؤثر على نمو التنظيم، وإن كان فإنه لا يؤثر على الجماعة ومكانتها.

تتجاوز هذه اللهجة حدود الاستعراض، إلى كونها حقيقة، إذ أن تنظيم الإخوان يعتبر أن الأصل في وجوده ونموه الظروف الاستثنائية، وبالتالي فإن الحركة العلنية بالنسبة له تظل هي الاستثناء.

يرى الإخوان خطورة في الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالتزامن مع صعود اليمين المتطرف أوروبيا، لكن خطتهم للعام الجديد تعتبر أن الخطر الأشد يتجسد في ما أسموه “الزعامة الخليجية”، الأمر الذي تقرنه الخطة بالعمل على الإجهاز على القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، ثم إحداث اختراقات في الصف العربي لفتح أبواب التطبيع مع الكيان الصهيوني حسب النص التنظيمي. هذا التوصيف في مُجمله، يكرس عداء للقيادات الخليجية، يتسق مع استهداف تنظيمي يسعى لـ”تدمير الخليج”، خاصة دول العداء المباشر للتنظيم، إنه الثأر الداعم للتحالف الإخواني التركي القطري الإيراني.

ثم تأتي أوراق الخطة حاملة المحاور والأهداف التنظيمية واستراتيجيات التخديم على سيناريوهات التنظيم للتعامل مع الواقع، ويأتي فيها المحور العالمي مركزا على عادة التنظيم في استغلال القضية الفلسطينية كمدخل للتجييش ومنفذ للعبور لحواضن جديدة على مستوى الوطن العربي، عبر بوابة قضية أصحاب الأرض ضد المحتل دون أن توجه الجيوش التنظيمية ضد المحتل، إنما ضد أوطانها تحت مبرر أن تحرير القدس يبدأ بهدم كل الأنظمة العربية وتحويلها لولايات تنظيمية.
تتحرك خطة الإخوان لعام 2020، في إطار ما تسميه أهداف العمل المرحلية لكل محور من محاورها الأربعة: الجماعة، المجتمع، المشروعات المعادية، الإقليمي والدولي.

من المهم التوقف عند الأهداف، بحيث يتم الربط بينها وبين موقف التنظيم الدولي من واقعه في مصر، الأمر الذي يجعل من القضايا القومية أو الإسلامية، مجرد شعارات خادمة للأهداف التنظيمية، بغض النظر عن مدى تحقيق النجاحات في نصرة أيّ من هذه القضايا وعلى رأسها القضية الفلسطينية.


تجارة الجماعة بالدين كشفت أمام المجتمعات العربية

يعتمد الإخوان في العام الحالي على ضوابط تحكم تحقيق أهدافهم وهي: التعاون مع الآخر، الاستفادة من الغير وتوسيع الشراكة، ابتكار وتفعيل مصادر أسباب القوة السلمية والمقاومة المدنية، الجماعة شريك هام ولا تنفرد بالقيادة، وتفعيل العمل العالمي في كافة المجالات، والعمل على تبليغ الدعوة.

هذه الضوابط تُكسب حركة التنظيم العالمي حالة من الديناميكية القادرة على ضبط إيقاع الأقطار والأجهزة، واستثمار الآخر، الديني والسياسي والعرقي، بما يُسوق خطابات التنظيم دون أن تتحمل إدارته المسؤولية.

وحتى يتم تنفيذ الخطة لا بد من صف مؤهل يدرك أدواره المحدودة، بينما تمضي القيادة في تحقيق الأهداف التنظيمية الكبرى. ولذلك حدد التنظيم للجانه ومكاتبه وقواعده عددا من المهام عليهم البدء بها فورا باعتبارها الأهداف الإجرائية للمرحلة الأولى في الخطة.

وحسب الواقع داخل التنظيم تخلط هذه المهام بين ما هو ديني وما هو سياسي، بحيث لا تكون للعضو مساحة للتمييز بين هذا أو ذاك، فضلا عن أن يتم التعاطي من قبل الأعضاء مع التكليف المرتبط بالعبادات بنفس الطاقة واليقين الذي يتم مع نظيراتها المرتبطة بالشأن المالي أو الحركي.

لذلك يبدأ التكليف بالدعاء ثم ينطلق مباشرة إلى الجهاد الذي يتنوع بين الجهاد المالي، والإعداد البدني، ممارسة رياضة، ثم تلي ذلك مهمة عنونتها الخطة بـ”مرتبة تحرير الأوطان”، والتي تربطها بما تسميه “الثقة في نصرالله”، وتقرن ذلك مباشرة بالثقة في القيادة.
تقود إطلالة سريعة على خطة الإخوان الجديدة إلى استهداف صناعة نفير تنظيمي لاستعادة تمكينه الذي كان في مصر، من خلال استنفار كامل طاقات التنظيم، ولذلك تُخاطب الخطة القيادات الجغرافية والفنية التي تُشرف على تنفيذها، لتكلفهم أن يذكروا قواعدهم، بأنشودة التنظيم منذ حسن البنا، التي يقول مطلعها “جدد العهد وجنبني الكلام إنما الإسلام دين العاملين”.

وتكتفي صفحات الخطة بهذا المقطع دون ذكر باقي كلمات الأنشودة التي يحفظها كل تنظيمي عن ظهر قلب منذ لحظة تفتح وعيه في عالم الإخوان، وترددها قواعد التنظيم في كل أقطاره.

وحين نستوعب أن الإسلام في نشيد الإخوان يعني التنظيم، يُمكن لحظتها أن نعيد قراءة فقرات الخطة للعام الحالي لنُدرك حجم الخطر الذي يهدد كل الإنسانية، إذا نجح الإخوان في خطوات بناء تنظيمهم ليصبح قادرا على التدافع مع كل خصومه المحليين والدوليين.

زر الذهاب إلى الأعلى