عن آخر حروب الفئران والثيران

لو كانت الصواريخ العمياء التي أرسلها أبومهدي المهندس، مالكُ حزب الله العراقي، إلى مُجمّع كركوك العسكري الأميركي دفاعا عن العراق وسيادته وكرامته واستقلاله، لزغرد لها كل فتيان وفتيات ساحات التحرير في بغداد والمحافظات المنتفضة الأخرى.

ولكنها مكروهة ومرفوضة من العراقيين والعراقيات، أجمعين، لأنها إيرانية الصنع، ولأنها أطلقت من شدة حنق الولي الفقيه الإيراني وضيق صدره وغليان دمه وغضبه على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا شاغل له، حتى وهو في عزّ أزمته الرئاسية المُحرجة، سوى تعميق وتشديد وتفعيل سياسة الخنق التي بدأها، والإصرار على خوضها حتى نهايتها، فيتوب النظام الأحمق عن حماقاته، ويتبرأ من سياساته التوسعية والعدوانية الدموية، ويحمل عصاه عائدا إلى داخل بلاده ذليلا مدحورا، أو حتى يثور عليه شعبه ويسقطه ليريح ويستريح.

والظاهر أن الذي خطط لها، والذي نفذها كان في غاية الغباء والغفلة وقلة الخبرة وانعدام التركيز. فـثلاثون صاروخا إيرانيا أمطرها على القاعدة الأميركية في كركوك لم تقتل سوى “متعاقد” واحد فقط مع وزارة الدفاع الأميركية، وقد لا يكون أميركيا، ولم تحدث سوى أضرار مادية في مركبات ومذاخر عتاد ليست في حساب الترسانة الأميركية أكثر من حبة خردل واحدة من بيادر لا حدود لها من مركبات وذخائر وجنود.

ومقابل الصواريخ الثلاثين الخائبة التي تورط أبومهدي المهندس بإطلاقها أرسل الأميركان إليه أربعة صواريخ فقط، لا غير، على ثلاثة من مواقعه في العراق، واثنين في سوريا، فدمرت مستودعات أسلحته، وقواعد قيادة وسيطرة، ويقال إنها قتلت 20 “مجاهدا”، وأصابت العشرات، ولا يُعرف لحد الآن عدد القتلى والمصابين النهائي، كما تقول الوكالات العالمية، لأن كثيرين ما زالوا تحت الأنقاض.

وردا على هذا الضربة الموجعة أرسلت كتائب حزب الله أربعة صواريخ أخرى سقطت قرب قاعدة التاجي شمال بغداد التي تضم جنودا أميركيين، وفق ما أفاد به مسؤول أمني عراقي دون أن تسفر عن ضحايا.

ولأن كتائب حزب الله العراقي جزء مهمّ من ميليشيات الحشد الشعبي شبه الرسمية الحكومية، فإن هجومها على القوات الأميركية الموجودة باتفاق رسمي مع الحكومة العراقية للمساعدة والتدريب في القتال ضد تنظيم داعش، يُحمّل الحكومة العراقية جزءا كبيرا من المسؤولية، ويكشف عن ضعفها وعجزها عن حماية أمن شعبها وسلامة بلادها، ويؤكد أنها حكومة كارتونية لا تحل ولا تربط، وأن الميليشيات التي تعمل بتوجيهات إيرانية مباشرة، مستترة أحيانا، وعلنية أحيانا أخرى، هي التي تملك خيوطها وتغزل لها غزلها.

خصوصا وأن أصغر وأبسط مواطن عراقي يعلم بأن الذي أنعم عليهم وحملهم من مقاهي طهران وعمان وبيروت ولندن وسوريا، وجعلهم أئمة ورؤساء ووزراء وسفراء وأصحاب ميليشيات هم الأميركان، وأن الذي استنجد بالضباط والجنود الأميركان المتواجدين في قواعد كركوك وأربيل والأنبار والتاجي، والذي استضافهم لمساعدة حكومته على طرد المحتلين الدواعش وتحرير المدن التي تسبب أحد أشقائهم “المجاهدين” في احتلالها هو رئيس الحكومة التي يملكها ويدير شؤونها الإيرانيون ووكلاؤهم العراقيون.

والشيء الآخر هو أن هذه الهجمات الخائبة الغبية تأتي ونظام الحكم العراقي محاصر، ومحتقن، ومتشرذم، ومضطرب، ومهدد بطوفان الغضب الشعبي المستاء جدا من عمالة أحزابه الحاكمة، ومن عدم اكتراثها بأمن شعبها ومصالحه الحيوية الوطنية العليا، ومن سعيها لاتخاذ أرض العراق وأهله ساحة صراع دولي خارجي دون مبرر من أي نوع.

وهذا دليل آخر قاطع على أن زعماء تلك الأحزاب والميليشيات، مختارين أو مجبرين، يزيدون، بحماقة وصفاقة وجهالة، غضبَ الغاضبين عليهم، ونقمة الناقمين على أسيادهم، ويقطعون آخر خيوط الأمل في إمكانية صحوتهم من غفلتهم، وعودتهم إلى شعبهم بعد فراق طويل. إنهم، بعد كل شهداء شعبهم ومصابيه ومغتاليه ومخطوفيه ومفقوديه، لم يدركوا بعد ما ينتظرهم من عذاب عظيم.

وخلاصة الخلاصة أن من المخجل والمحزن، في آن واحد، هو هذه المقاتلة بين الفئران العراقية الإيرانية المنهكة المتهالكة، وبين ثيران الأميركان الهائجة، وعلى أرض العراقيين الأبرياء، وداخل أحيائهم وبين منازلهم ودكاكينهم التي منها يأكلون ويشربون. آه، لو كان الغباءُ رجلا لقتلته منذ زمن طويل.

زر الذهاب إلى الأعلى